اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٤ أب ٢٠٢٥
الأردن… الأرض التي لا تُمس، والكرامة التي لا تُساوم
أزهر الطوالبة
في لحظةٍ تكشِفُ حقيقةَ المشروعِ الصُهيونيّ بلا أقنِعة، خرجَ نتنياهو، في غطرسةٍ مهووسة، ليُعلِنَ نيّته 'احتلال أجزاءٍ مِن الأردن' ؛ تحقيقًا لما يُسمّيه بـ'إسرائيلِ الكُبرى'. في حقيقةِ الأمر، هو لا يتحدَّث عن حلمٍ بعيد، بل عن مُخطَّطٍ قديم مُتجذِّر في عقيدةِ الاحتلال، مشروعٌ يرى في كُلِّ شبرٍ عربيّ ساحةً للتوسُّع، وفي كُلِّ معاهدةٍ جسرًا يعبُر عليهِ نحو ابتلاعِ الأرض.
لكن، ما يبدو على لسانه تهديدًا، نراهُ نحن الأردنيين جرسَ إنذارٍ يفرِضُ علينا الانتقالَ من 'الدّفاع الكلاميّ والبيانيّ' إلى 'الفعل السياسي والميداني'. فالأردنُّ ليسَ ساحةً مُستباحة، ولا أرضًا تنتظر 'إذنًا' كي تُدافعَ عن نفسِها.
وأول الردود في ساحَة 'الفعلِ السياسيّ والميدانيّ' يجب أن يكونَ ردًّا سياسيًا حاسمًا، يضع الكيانَ في زاويةِ العُزلةِ الدوليّة، عبر موقفٍ رسميّ يصِف تصريحاته، أي النِّتن، بأنَّها إعلان حربٍ على السيادةِ الأُردنيّة، واستدعاء سفيره فورًا، مع إعادةِ النَّظر في كُلّ اتفاقيّةٍ تربطنا به، وفي مُقدِّمَتها وادي عَربة، الّتي لم تحمِ حُدودَنا من طموحاته، بل حاولَ أن يجعلَها بوابةً لتسلُّلهِ الاقتصاديّ والسياسيّ.
أمّا الرّد الثاني، فإنَّهُ يتمثَّل ب 'رفع الجاهزيّة العسكريّة إلى أقصى درجاتها'، ليس من باب الاستعراض، بل لتأكيدِ أنَّ الأُردنَّ يمتلك إرادةَ الرَّدع وقُدرَة المواجهة، وأنَّ أيّ اعتداءٍ لن يُقابَل إلا بصدٍّ يدفع المُعتدي ؛ ليدرِك أنَّ حدودَنا ليست ورقًا على طاولةِ مفاوضات، بل خطوطَ نارٍ مرسومةً بدماءِ جيشنا وشعبنا.
وإضافةً للرّدّينِ السّابقَين، ثمّةَ ضرورَة مُلحّة لردٍّ ثالِثٍ، يكون مُتعلّقًا بالجوانِب الاقتصاديّة. فهذا الرّد يتمثَّل بوجوبِ كسر أيّ تبعيّةٍ فرضتّها علينا مراكزَ صُنعِ القرارِ في السّنوات الماضِية، وأن نوقِفَ، فورًا، أيّ تعاونٍ أو تبادُلٍ تجاريٍّ أو مشاريعٍ مُشترَكة مع الكيانِ الصهيونيّ. فالماءُ والكهرباءُ والغذاء ليست مُجرَّدَ سلع، بل مفاتيح سيادة، لا يجوز أن تُترَك في يدِ من يتوعدنا بالابتِلاع.
أما الجبهةُ الداخليّة، فهي خطّ الدّفاع الأوّل. فوحدةُ الصَّف، وتماسُك النّسيجِ الوطنيّ، ووعي الشَّعب بما يُحاك، هي ما يمنح القرار السياسيّ ثقلَهُ وقوَّته. في هذه المرحلة، لا مكانَ للفُرقةِ أو التّراخي. فالأردنُّ كُلّه مُستهدَف، وحدوده تبدأ من وعي مواطنيه قبلَ أن ترسمها الخرائط.
ولأنَّ المعركةَ ليست أُردنيّةً فقط، بل عربية وإسلامية، يجب أن ينطلقَ الأردنّ نحو تحالُفاتٍ إقليميّةٍ حقيقيةٍ مع كُلّ من يرى في التوسُّعِ الصهيونيّ خطرًا على وجودٍه، بدءًا من فلسطين وسوريا ولُبنان والعراق، وصولًا إلى عُمقِنا العربيّ والإسلاميّ. فالمشروعُ الصهيونيّ واحد، والرّد عليه لا يكون إلا بجبهةٍ موحّدة.
وأخيرًا، نقول إلى نتنياهو بوضوح: هذه الأرض، منذُ أن نطقَ اسمها التاريخ، لم تعرِف الاحتلال إلّا كمحنةٍ عابرة تنتهي، ولم تعرف أن تنحني إلّا لربِّها. من يُراهِن على صبرِ الأردن والأُردنيين، يخطئ في قراءة تاريخه، ومن يختبِر صلابته يكتشِف سريعًا أنَّ هذا البلد الصّغير في حجمِه، كبيرٌ في عزيمَته، يملِك من الكبرياءَ، ما يجعل أيّ مُغامرةٍ ضدّه آخرَ أخطاءِ المُعتدين.
الأردنُّ ليس عقارًا في سوقِ بيع الأراضي، ولا ورقة في خريطة مشاريعكم. هو وطنٌ حُر، عصيٌّ على الكسر، باقٍ ما بقيت في هذه الأمة دماء تعرف معنى الكرامة.