اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
الذهب بين الفائدة والصدمة النفسية للأسواق
د. عدلي قندح
في لحظةٍ يترقبها العالم المالي بدقّة، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قبل يومين خفض سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية، لينتقل النطاق المستهدف من 4.25 – 4.50% إلى 4.00 – 4.25%. للوهلة الأولى، كان من الطبيعي أن يفسَّر القرار على أنّه دفعة لصعود الذهب، إذ أن تخفيض الفائدة يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الأصول غير المدرة للعائد مثل المعدن النفيس. غير أن ما حدث جاء عكس التوقعات تمامًا: الذهب انخفض بدل أن يرتفع.
السعر الفوري للأونصة سجّل ذروة عند 3,702.95 دولار لحظة إعلان القرار، قبل أن يتراجع إلى حدود 3,671.61 دولار، أي بخسارة تقارب 31 دولارًا أو ما نسبته 0.8% خلال 24 ساعة فقط. هذا التراجع جاء رغم أن الذهب حقق مكاسب سنوية لافتة بلغت نحو 39% مقارنةً بمستوياته قبل عام واحد.
السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا انحرف الذهب عن المسار 'الطبيعي” المفترض؟ الجواب يكمن في اللغة التي استخدمها الفيدرالي أكثر من القرار ذاته. فبدلاً من أن يرسل إشارات عن دورة طويلة من التيسير النقدي، شدّد على الحذر وأوحى بأن تخفيض الفائدة ليس بداية مسار متسارع بل خطوة محسوبة في بيئة اقتصادية ما تزال متوترة. هذه اللهجة 'المتشددة” رفعت من قيمة الدولار أمام سلة العملات الرئيسية بنسبة تقارب 0.5%، وهو ما زاد الضغط على الذهب، إذ أن قوة الدولار تجعل المعدن أكثر كلفة لحائزي العملات الأخرى، فتتراجع جاذبيته.
إلى جانب ذلك، بقيت العوائد الحقيقية على السندات الأميركية في مستويات مرتفعة نسبيًا، وهو ما حدّ من شهية المستثمرين للذهب باعتباره أصلًا لا يدر دخلاً ثابتًا. فعندما يبقى العائد على السندات عند مستويات تفوق 4%، فإن الإغراء لحيازة أداة نقدية مضمونة يفوق الرغبة بالاحتفاظ بمعدن ساكن لا يولّد عوائد.
بهذا المعنى، لم يكن هبوط الذهب مجرد رد فعل لحظي، بل انعكاسًا للعبة التوازن بين السياسة النقدية والنفسية الجمعية للأسواق. فالمعدن الأصفر الذي طالما ارتبط في ذهن المستثمرين بملاذ الأمان عند خفض الفائدة أو عند ارتفاع التضخم، وجد نفسه هذه المرة أسير خطابٍ مشبع بالحذر، خطاب جعل التوقعات أهم من القرار نفسه.
ومع كل هذا، يظل المستقبل مفتوحًا على احتمالات متناقضة: فإذا واصل الفيدرالي خفض الفائدة بخطوات تدريجية مقرونة بلهجة متشددة، قد نرى الذهب يتراجع نحو 3,600 دولار للأونصة. أما إذا تراجعت العوائد الحقيقية بحدة أو تصاعدت المخاوف التضخمية والجيوسياسية، فقد يعاود الذهب صعوده مخترقًا حاجز 3,800 دولار وربما أبعد من ذلك. وبين هذا وذاك، يبقى الذهب مرآة لقلق الأسواق أكثر من كونه انعكاسًا مباشرًا للسياسة النقدية.