اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٥ أيلول ٢٠٢٥
إعادة تعريف المشهد الفني ضرورة وليست خيار
بقلم : آلاء بشناق
عادةً ما تُشكّل الأعمال الفنية، لاسيما الدرامية والكوميدية العصرية، مرآة تعكس الواقع المجتمعي بطريقة سلسة ومؤثرة. وفي هذا الإطار، يستوقفنا اليوم التفاعل على فيديو متداول لفنان يُعبّر عن معاناته في إيجاد عمل، مما يضطره إلى اختراع مبررات يومية لزوجته لخروجه من المنزل. إن هذا التصريح، الذي لفت الانتباه وأثار بحثًا، يمثل نقطة انطلاق جوهرية لتحليل التحديات التي تواجه الإنتاج الفني في سعيها لتحقيق التفاعل الجماهيري والمصداقية، ويؤكد على الحاجة الملحة لإعادة تقييم الأدوات التي يمتلكها الفنانون؛ فالفنان الذي يجد صعوبة في إيجاد عمل أثار الفضول لدى الكثيرين للاضطلاع على صفحاته التي باتت اليوم السيرة الذاتية الأكثر حضوراً وانتشاراً لأي موهبة فنية أو إبداعية، فهل كانت فعلا هذه الصفحات ملائمة لمسيرته الفنية و تعبر عنه ؟
إن المفارقة الواضحة تكمن في التباين بين فنانين يمتلكون خبرة عميقة وتاريخاً فنياً ثرياً، لكن حضورهم الرقمي يكاد يكون غائباً أو محدوداً للغاية، مما يحصر تأثيرهم. في المقابل، ينجح جيل جديد من صانعي المحتوى، ربما بأقل خبرة فنية، في تحقيق انتشار واسع واستحواذ على منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت بمثابة السيرة الذاتية الأكثر فعالية في هذا العصر. هذا الواقع يؤكد أن مواكبة العصر لم تعد رفاهية، بل هي ضرورة استراتيجية تفرضها معايير التفاعل والتواصل، والانخراط المباشر مع الجمهور للوقوف على تطلعاته وتوقعاته من الفن، مما يجعلها متطلباً حيوياً للحفاظ على الزخم الفني.
في سياق النقد الموجه لبعض صانعي المحتوى الشباب ممن حققوا أرقام متابعة قياسية، لا يمكن قبول حجة 'الأولى بالاهتمام' كمعيار لتقييم القيمة الفنية. فالأولوية في المشهد الفني الحديث يجب أن تُمنح لمن يمتلك القدرة على خلق نسخ فنية جديدة ومتجددة تلامس واقع الجيل المعاصر وتواكب تسارع الحياة اليومي. إن إنتاج عمل فني تقليدي بأسلوب لا يتوافق مع إيقاع العالم الحديث يجعله، شئنا أم أبينا، بعيداً عن دائرة الاهتمام الجماهيري السائدة.
يمكن استحضار مفارقة الدراما التركية كدراسة حالة في مجال التغير الجمالي والإنتاجي. فبالرغم من الجدل الذي أثارته في بدايتها حول القيم والعادات، إلا أنها حققت انتشاراً واسعاً بفضل نهجها المختلف. لقد اعتمدت هذه الأعمال على الجاذبية البصرية، والأداء التمثيلي الذي يبتعد عن المبالغة في المظهر أو التعابير أو حتى نبرة الصوت، خلافاً للنمط الذي ساد في بعض الإنتاجات العربية الذي اعتمد على المبالغة الشكلية والصوتية. هذا الاهتمام بالتفاصيل الجمالية والطبيعية نجح في استقطاب جيل كامل من المشاهدين وأثبت أن التجديد في أساليب الإنتاج هو مفتاح لكسر القوالب المألوفة. إن الدراما العربية غنية بالرسائل الإنسانية والأخلاقية، ولكن قيمتها تُهدَر إن لم تُصاحبها استراتيجية فعالة لمواكبة الجديد و استخدام المنصات المناسبة للتسويق والترويج، كما أثبتت منصات العرض الرقمية (مثل شاهد) التي حققت نجاحاً باهراً بفضل الترويج الصحيح.
إن متطلبات العصر الراهن تفرض فهماً عميقاً لـمفاتيح المشاهدة واحتياجات الأجيال المتنوعة. وعليه، فإن الإنفاق على الدراسات التحليلية وفهم سلوك المشاهد، والاستثمار في آليات الترويج الفعالة، لا يقل أهمية عن الإنفاق المخصص للعمل الفني نفسه. إذ يجب على المؤسسات الفنية أن تتبنى استراتيجية شاملة تضمن التكامل بين جودة المحتوى وقوة الانتشار.
وفي الختام، يُعد قرار الانسحاب من تعاقد محتمل، عندما تكون أصابع النقد موجهة سلفاً، عملاً حكيماً لعدم تحميل الذات أوزار بيئة لا تزال تقاوم متطلبات التغيير والتحديث.