اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
«ترامب… والإعدام الميداني للعدالة الدولية: كوميديا سياسية بطلها رئيسٌ يعامل العالم كغرفة صغيرة داخل برجه الذهبي» #عاجل
كتب أ.د. محمد تركي بني سلامة
يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكتفِ بأن يثبت للعالم أنه خطرٌ على الديمقراطية في أميركا، بل قرر، مشكورًا، أن يوسّع دائرة التهديد لتشمل العالم كلّه. فالرجل لا يريد فقط أن يحكم، بل يريد أن يُعيد تشكيل الكون السياسي على صورة تسريحة شعره: فوضوية… غير مفهومة… ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منها.
وفي آخر حلقات المسلسل الترامبي الطويل، قررت الإدارة الأميركية فرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية (International Criminal Court – ICC). وبما أن ترامب يعشق كسر القواعد، فإنه لم يعاقب المجرمين… بل من يحقق مع المجرمين.
منطقه بسيط للغاية:
'إذا كانت العدالة تُزعجني، فسأعاقب العدالة نفسها.”
القاضي الفرنسي Nicolas Guillou وزميلاته القاضيات استيقظوا فجأة ليجدوا أنفسهم وكأنهم في قائمة مجرمي المخدرات، فقط لأن المحكمة تجرأت وتطلعت ناحية ملفات 'لا يحبّ ترامب رؤيتها”.
الرئيس الذي يعتقد أن العالم لعبة احتكار (Monopoly) يوزّع فيها العقارات على المزاج، قرر أن القانون الدولي آخر لاعب يجب إخراجه من الطاولة.
ولأن ترامب لا يؤمن بفكرة 'فصل السلطات”، فقد قرر أن يمارس هواية جديدة: خنق القضاء الدولي ماليًا. القاضي Guillou قال إنه أصبح 'محظورًا مصرفيًا عالميًا”.
وللحظة تخيّل العالم المحكمة الجنائية الدولية وهي تبحث عن صرّاف آلي في شوارع لا يريد ترامب أن يدخلها أحد.
إنه مشهد يناسب مسرح السخرية السوداء… لا الأمم المتحدة.
أما الأمم المتحدة؟
فقد فعلت ما تجيده تمامًا:
أصدرت بيانًا غاضبًا… بصوت خافت… وبكلمات نعاس… وانتهى الأمر.
وكأن المؤسسة التي تأسست بعد حرب عالمية كبرى لا تزال تعتقد أن 'القلق العميق” علاج سحري لكل كارثة سياسية.
وعلى الرغم من أن الخطوة تبدو كأنها نوبة غضب رئاسية عابرة، إلا أن تأثيرها يشبه رمي 'قنبلة سياسية” في قلب القانون الدولي.
الرسالة واضحة وصارخة:
'احذروا… من يفكر في الاقتراب من ملفاتنا، سنجعل حسابه البنكي يختفي قبل أن يختفي صوته.”
الدول الصغيرة والمتوسطة فهمت الدرس فورًا:
العدالة الدولية؟ نعم… ولكن بشرط ألا تغضب ترامب.
والدول الكبرى الأخرى تلقت الرسالة بابتسامة جانبية:
'إذا كانت أميركا تستطيع خنق المحكمة، فما الذي يمنعنا نحن؟”
بهذه البساطة، يحوّل ترامب النظام الدولي من منظومة مبادئ إلى سيرك سياسي.
سيركٌ بمدير واحد، وجمهور صامت، وبهلوان رئيسي اسمه ترامب، يمسك بمطرقة العقوبات ويضرب بها أي شيء… حتى لو كان قاضيًا دوليًا.
ومن الناحية النظرية، انهيار المدرسة البنائية (Constructivism) يبدو الآن شبه رسمي. فالقيم لا تصنع النظام الدولي كما ظنّ الأكاديميون الطيبون.
من يصنع النظام هو الرئيس الذي يستطيع أن يرسل 'تغريدة” تهز الأسواق، و”قرارًا” يخنق القضاة، و”خطابًا” يشعل العالم.
ترامب، بفلسفته الفريدة، اختصر العلاقات الدولية في قاعدة واحدة:
القوة أولًا… القانون لاحقًا… والعدالة؟ دعوها تذهب في إجازة مفتوحة.
إن العقوبات الأميركية على قضاة المحكمة ليست مجرد تجاوز، بل عملية إعدام ميداني لفكرة العدالة الدولية، ورسالة واضحة مفادها أن 'العدالة لا تُطبّق إلا إذا وافق الرئيس.”
والخطر الحقيقي ليس على ICC وحدها، بل على ما تبقّى من احترام العالم لفكرة القانون.
لقد أثبت ترامب، دون جهد، أنه ليس تهديدًا للديمقراطية الأميركية فقط، بل تهديدًا من نوع خاص: تهديدٌ عالمي متعدد الاستخدامات.
يمكنه تعطيل المؤسسات، وإرباك الأمم المتحدة، وجرجرة القانون الدولي من ياقة قميصه، وترك العالم يتساءل:
هل هذا هو الرجل الذي يُفترض أن يقود دولة نووية؟!
وفي النهاية، يبدو أن العدالة الدولية اليوم لا تواجه مجرد عقوبات…
بل تواجه عاصفة ترامب:
عاصفة لا تعترف بقاضٍ، ولا بقانون، ولا بمعيار أخلاقي…
بل تعترف فقط بصوت واحد يقول:
'أنا الرئيس… والبقية تفاصيل.”
-












































