اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٥ كانون الأول ٢٠٢٥
الفلسطينيون… ورثة إبراهيم الحقيقيون: حين ينتصر العلم للوعد الإلهي وتسقط أسطورة المهاجرين #عاجل
كتب حلمي الأسمر
(الشعب الفلسطيني لم يأتِ من مكان آخر، ولا ينتمي إلى حضارة أخرى، ولا يعيش فوق أرض ليست له.
بل هو ابن إبراهيم في إيمانه، وابن كنعان في جذوره، وابن الأرض في وجوده)
لم يكن الصراع على فلسطين يومًا نزاعًا على جغرافيا صغيرة أو حدود مرسومة، بل كان دائمًا معركة بين أصالةٍ ضاربة في عمق ثلاثة آلاف عام وبين غزو حديث جاء على ظهر السفن والبواخر، بلا ذاكرة ولا جذور. وكلما تقدّم العلم خطوة، انكشفت الحقيقة التي طالما حاولت الصهيونية دفنها: أن الشعب الفلسطيني هو الامتداد الحيوي، الجيني، التاريخي، والإيماني لسكان الأرض المقدسة منذ أيام إبراهيم عليه السلام، وأن 'العودة” التي يتغنّى بها القادمون من وراء البحار ليست إلا أسطورة استعمارية لا سند لها في جيناتهم ولا كتبهم ولا تاريخهم.
هذه ليست رواية عاطفية، بل حقيقة علمية أكّدتها عشرات الدراسات الجينية على الهابلوغروب J1 وJ2، وهي السلالات التي شكّلت البنية الأساسية للشعوب السامية في الهلال الخصيب. وبينما تبيّن أن الفلسطينيين هم الأقرب جينيًا إلى سكان كنعان القدماء، تكشف الأبحاث ذاتها أن اليهود الأشكناز—العمود الفقري لديموغرافيا إسرائيل—أقرب إلى الأوروبيين الشرقيين والإيطاليين والأرمن من قربهم إلى شعوب الشرق الأوسط. أي أن 'شعب الله المختار” التي تدّعي إسرائيل أنها امتداده ليس إلا جماعة مهاجرة متكوّنة حديثًا، بلا قرابة حقيقية للأرض التي تحتلها.
والأعجب أن الدراسات نفسها التي أصرّت الدعاية الصهيونية على الاستشهاد بها، انقلبت عليها. فحين أُجري تحليل DNA على مومياوات كنعانية عثر عليها في صيدا، تبيّن أن أقرب الشعوب المعاصرة إليها هم الفلسطينيون واللبنانيون الجنوبيون. أي أن الدم الذي يجري في عروق أهل فلسطين اليوم هو ذاته الذي جرى في عروق الذين سكنوا الأرض قبل التوراة، وقبل الممالك اليهودية القصيرة، وقبل كل الحكايات التي صُنعت لتبرير الاستعمار.
أما القادم من كييف، لغته الييديشية الجرمانية، وجذوره خزريّة قوقازية، وزيه الأوروبي، فبأي حقّ يزعم أن هذه الأرض أرض أجداده؟ بأي منطق؟ بأي علم؟ بأي تاريخ؟
إنها أكبر عملية انتحال نسب في تاريخ البشرية.
لكن الحقيقة العلمية وحدها لا تكفي لفهم عمق هذه المسألة. فالوعد الإلهي لم يكن وعدًا بيولوجيًا، ولا منحة جينية، بل كان دائمًا وعدًا إيمانيًا:
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}
الوعد إذن ليس لجنس، بل لأهل التوحيد.
ليس لأبناء الدم، بل لأبناء القيم.
ومن يتدبّر النصوص القرآنية يجد أن إبراهيم عليه السلام هو أبو الموحّدين، لا أبو جماعة عرقية. بل إن القرآن يصرّح أن اليهودية والنصرانية جاءتا بعده، وأن الانتماء الحقيقي إليه:
{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}.
فإذا جمع شعبٌ ما بين:
الامتداد الجيني لسكان إبراهيم،
والامتداد الجغرافي لأرض إبراهيم،
والامتداد الإيماني لملة إبراهيم،
فهو أولى الناس بهذه الأرض.
وهذا الوصف لا ينطبق على أحد اليوم أكثر مما ينطبق على الشعب الفلسطيني.
إن هذا الشعب الذي ظلّ قابضًا على تراب فلسطين أربعة آلاف سنة، لا تُسقطه إمبراطوريات، ولا تُغيّبه مذابح، ولا تُبيد حضوره نكبات، هو ذاته الذي قال عنه المؤرخون الغربيون إنه الأكثر ثباتًا واستمرارية من أي شعب في شرق المتوسط. ليس لأن فيه 'معجزة قومية”، بل لأنه يعيش على أرضه، ويزرعها، ويدفن شهداءه فيها، ويورّث أبناءه ذلك التراب كما يورّثهم الاسم واللغة والملامح.
ومن هنا يصبح من السخف الادعاء أن المهاجر الروسي الذي وصل قبل سبعين عامًا يملك 'حقًا تاريخيًا” في فلسطين. فالتاريخ ليس ورقة هوية، ولا قرارًا في الأمم المتحدة، ولا نصًا انتقائيًا في كتاب محرف. التاريخ سلسلة بشرية متصلة، لا يمكن القفز فوق آلاف سنواتها بعبارة 'نعود إلى أرض الآباء”. إذا كان هناك من يعود، فهو الفلسطيني، العائد دائمًا، المتجذّر دائمًا، الباقي دائمًا.
إن الصهيونية اليوم أمام مأزق ثلاثي:
مأزق العلم الذي فضح ادعاءاتها الجينية،
ومأزق الدين الذي لم يمنحها أي وعد، بل سحب منها الشرعية،
ومأزق التاريخ الذي يكشف أنها كيان استيطاني طارئ لا جذور له.
أما الفلسطيني فليس بحاجة إلى صنع رواية. وجوده ذاته رواية.
دمه رواية.
زيتونه رواية.
أسماء قراه وتضاريسه ولهجته وذاكرته روايات لا تنتهي.
لقد حاول المشروع الصهيوني أن يخوض حربًا على الجغرافيا، ثم حربًا على التاريخ، ثم حربًا على الذاكرة. لكنه صُدم بحقيقة واحدة لم يستطع تغييرها:
أن الشعب الفلسطيني لم يأتِ من مكان آخر، ولا ينتمي إلى حضارة أخرى، ولا يعيش فوق أرض ليست له.
بل هو ابن إبراهيم في إيمانه، وابن كنعان في جذوره، وابن الأرض في وجوده.
ومتى اجتمع العلم مع الدين مع التاريخ، سقط الاستعمار، مهما امتلك من قوة.
وهذا هو سرّ فلسطين… وسرّ بقائها… وسرّ زوال من يحاول انتزاعها.












































