اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
مستقبل الجامعة العربية: مؤسسة عاجزة أم قابلة للإصلاح؟
د. خالد العاص
منذ تأسيسها عام 1945، شهدت الجامعة العربية فترات مدٍّ وجزر، بين أحلام الوحدة التي لم تُحقق، وبين بيانات ختامية لم تُحدث فرقًا ملموسًا في واقع الأمة. ومع كل قمة تُعقد، يزداد التساؤل: هل ما زالت هذه المؤسسة العتيقة قادرة على التأثير واتخاذ قرارات حقيقية، أم أنها تواجه صعوبة في مجاراة التحديات الراهنة التي تهدد الأمن والاستقرار العربي؟
الجامعة العربية وُلدت في لحظة تاريخية فارقة، حين كانت الشعوب العربية تنشد الاستقلال والتحرر من الاستعمار. لكنها، على مدى العقود، أثبتت عجزها عن لعب الدور المنشود؛ في قضايا فلسطين، لبنان، وحتى سوريا مؤخرًا، لم تتجاوز بياناتها لغة الشجب والإدانة. أما أدوات الفعل والردع، فظلت غائبة أو مُعطلة.
اليوم، ومع العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، ومع استهداف الدوحة بجرأة غير مسبوقة، يعود السؤال من جديد: ما جدوى وجود مؤسسة لا تمتلك آلية إلزامية لفرض قراراتها؟ أليس من المفارقة أن تستمر إسرائيل، قوة محتلة صغيرة نسبيًا، في تحدي العرب مجتمعين، بينما 'الجامعة' التي تضم 22 دولة عاجزة عن اتخاذ قرار واحد يغيّر المعادلة؟
لكن الإنصاف يقتضي القول إن المشكلة ليست في 'المؤسسة' بحد ذاتها، بل في الإرادة السياسية لأعضائها. فالجامعة ليست أكثر من مرآة للانقسامات العربية. حين تخضع المصالح الوطنية الضيقة على حساب المصلحة القومية، تصبح الجامعة مجرد أداة لتسجيل المواقف.
ومع ذلك، فإن إعلان وفاة الجامعة العربية بشكل كامل فيه تبسيط مخل؛ فالمؤسسة، رغم شيخوختها، ما زالت تحتفظ بشرعيتها الرمزية كمظلة جامعة، وقدرتها على خلق آليات تنسيق عند توفر الإرادة، وساحة للنقاش السياسي التي قد تمهّد لتفاهمات مستقبلية.
اليوم، المطلوب ليس الاكتفاء بلعن العجز، بل التحرك نحو إصلاح جريء يعيد للجامعة فاعليتها. الإصلاح الحقيقي لا يقتصر على تجميل البيانات، بل على تحويل الجامعة إلى أداة ردع عربية حقيقية: تمتلك آلية إلزامية لفرض المقاطعة السياسية والاقتصادية في وجه اسرائيل، تُنشئ تحالفًا دفاعيًا عربيًا يحمي الأجواء والحدود من الاعتداءات، وتتحول إلى منصة قانونية دولية تقود معارك محاكمة اسرائيل في المحاكم الدولية، بدل ترك هذا المجال للمبادرات الفردية.
الجامعة العربية تقف اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تتحول إلى مؤسسة حقيقية تملك أدوات تنفيذية، أو تبقى ناديًا بيروقراطيًا يتبادل فيه القادة المجاملات. إما أن تُصلح نفسها، أو يُصبح دورها رمزيًا فقط .لقد آن الأوان لإدراك أن الجامعة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لحماية الأمن العربي، وتعزيز التضامن، وصون السيادة. وإذا بقيت عاجزة عن ذلك، فإنها ستتحول إلى شاهد زور على انهيار النظام العربي برمته.