اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
ترامب وضمّ الضفة: بين النفاق السياسي والمصالح العارية #عاجل
بين الرفض اللفظي والدعم العملي... واشنطن تُشرف على ضمّ الضفة بيدها اليمنى وتستنكره بيدها اليسرى!
كتب حلمي الأسمر
قال دونالد ترامب في خطابه داخل الكنيست, وكرر نفس التصريح فيما بعد:
'لن نسمح بضمّ الضفة، لقد تعهدت للدول العربية، وإذا قامت إسرائيل بذلك ستفقد دعمنا.'
عبارة بدت لأول وهلة كأنها انقلاب في الموقف الأمريكي، لكنها في جوهرها ليست سوى عرضٍ مسرحي جديد في لعبة الخداع السياسي التي تتقنها واشنطن، بين إدارة الصورة أمام العرب، وحماية الجوهر الاحتلالي لإسرائيل.
مناورة بوجهين
ترامب، الذي هندس «صفقة القرن» وأعطى إسرائيل كل ما طلبته وأكثر، يدرك أن إعلان ضمّ الضفة رسميًا سيُحرج الأنظمة العربية المطبّعة، ويهدد توازنات التطبيع التي قامت على قاعدة 'الاحتلال بلا اسم'.
لذلك جاء تصريحه كمحاولة لتسكين الغضب العربي، لا لحماية الحق الفلسطيني.
هو يريد أن يُبقي الاحتلال فعليًا، لكنه بلا إعلان، وأن تستمر إسرائيل في ابتلاع الأرض دون أن تثير ضجيج القانون الدولي.
بعبارة أوضح:
لا يعارض السرقة، بل يرفض أن تُلتقط لها صورة تذكارية.
إنه يقول ابتلعوا الضفة لكن لا تتجشأوا علنا!
حين يتحدث النفاق الأمريكي بلسانين
المفارقة تتضح أكثر في تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، الذي قال إنه شعر بـ'إهانة شخصية' من تصويت الكنيست على قانون فرض السيادة الإسرائيلية في الضفة، ووصف الخطوة بأنها 'مناورة غبية' أربكت واشنطن.
هذه الكلمات لا تعبّر عن غضب أخلاقي من جريمة الاحتلال، بل عن استياء سياسي من تجاوز قواعد اللعبة الأمريكية:
أن تُبقي إسرائيل ضمّها عمليًا، ولكن من دون إعلان رسمي يحرج واشنطن أمام العرب والعالم.
فإدارة ترامب لا ترفض الاحتلال، بل تريد تنظيمه إعلاميًا كي يبقى مقبولًا في الخطاب الغربي، وقابلًا للهضم في العواصم العربية.
إنها السياسة الأمريكية في أنقى صورها:
احتلال محسّن الصورة، ومجازر مغسولة بالكلمات.
تناقض القول والفعل
لو كان ترامب صادقًا في رفض الضمّ، لما نقل سفارته إلى القدس المحتلة، وهي جزء من الضفة الغربية قانونيًا.
ولو كان حقًا يحرص على استقرار المنطقة، لفرض عقوبات على المستوطنين الذين يقتلون المدنيين ويهدمون البيوت كل يوم.
لكن ما يحدث هو العكس تمامًا:
الضمّ جارٍ بهدوء، على الأرض، تحت رعاية أمريكية كاملة.
وكل بيت فلسطيني يُهدم، وكل مستوطنة جديدة تُبنى، هي قانون ضمّ فعلي أقوى من أي تصويت في الكنيست.
خلاصة الموقف
1. الولايات المتحدة لا ترفض الضمّ مبدأً، بل ترفض إعلانه علنًا.
2. تصريحات ترامب وفانس ليست دفاعًا عن الفلسطينيين، بل عن مصلحة واشنطن في إبقاء اللعبة متوازنة بين الحلفاء العرب وإسرائيل.
3. الضمّ مستمر على الأرض، بخطة زاحفة مدروسة، تموّلها أمريكا وتغلفها بالإنكار السياسي.
كلمة أخيرة
من يصدق أن واشنطن ستعاقب إسرائيل على ضمّ الضفة، كمن يصدق أن الذئب سيحاكم نفسه لأنه أكل الخراف.
الموقف الأمريكي – مهما تجمّل بالشعارات – لا يتجاوز كونه درعًا سياسيًا لجرائم الاحتلال، ونفاقًا دبلوماسيًا يهدف إلى خداع العرب وشراء الوقت لصالح المشروع الصهيوني.
هذا هو النفاق الأمريكي في ابشع تجلياته:
يرفض الضمّ في الخطاب، ويموّله في الواقع.
يندد بالاستيطان في الإعلام، ويمنحه الغطاء في الميدان.
ويعلن الغضب من إسرائيل... فقط حين تخرج عن نصّ المسرحية.
وحين يختلط الخداع بالدم، تسقط الأقنعة عن الإمبراطوريات
قراءة في ما وراء الخطاب
من وراء هذه اللغة الدبلوماسية المزدوجة، يمكن قراءة ثلاث رسائل خفية:
1. لإسرائيل: يمكنكم أن تواصلوا الضمّ، لكن بهدوء، ولا تحرجونا علنًا.
2. للعرب: ما زلنا نحمي «التوازن» في المنطقة، فلا داعي للانزعاج أو مراجعة التطبيع.
3. للعالم: الولايات المتحدة ما تزال «الوسيط الوحيد» الذي يمكنه التحكم بالنار الإسرائيلية دون إطفائها.
لكن الحقيقة الأعمق أن هذا الخطاب ليس سوى غطاء لتآكل الشرعية الأخلاقية الأمريكية في الشرق الأوسط.
فحين تصبح واشنطن عاجزة عن كبح حليفها، ومجرمة بصمتها، تفقد موقعها كقوة 'قانونية' وتتحول إلى شريك في الجريمة.












































