اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ٢١ أيلول ٢٠٢٥
#اليرموك… #قلب_الوطن_النابض وذاكرته الحيّة
أ.د #أمجد_الفاهوم
أما وقد أزيل الستار عن هوية رئيسي جامعتي اليرموك والطفيلة التقنية، فقد آثرنا الصمت بدايةً، لعلّ في الصمت حكمة، ولعلّ في الانتظار فسحة أمل أن تنال اليرموك نصيبها المستحق من الوطن الذي حملته في وجدانها منذ نشأتها، ومن أبنائها الذين ظلوا أوفياء لها على مر السنين. غير أنّ عشق اليرموك، الجامعة والفكرة والتاريخ، يأبى أن يبقى حبيس الصدور؛ فهي لم تكن يومًا جامعة عادية، بل مدرسة وطنية صنعت أجيالًا، وقدّمت نموذجًا يُحتذى في بناء المؤسسات وصياغة المستقبل.
لقد وُلدت اليرموك جامعة برؤية متقدمة، جمعت بين النموذج الهندسي المستوحى من الجامعات الأمريكية العريقة، والنموذج التقني الذي ضاهى التجربة الألمانية الرائدة، وذلك بدعم سخي من مؤسسة هشام أديب الحجاوي. ومن قلبها انطلقت المبادرات والإنجازات: أول قرية إنجليزية في الأردن، وأول قسم للحاسوب والصحافة، وكلية اقتصاد عالمية المنهج والفريق، وأول كليتي آثار وسياحة، وأول مجمع ريادي تشرف بزيارة جلالة الملك. ولم تتوقف عند ذلك، بل أنشأت أول قسم ومجمع للهندسة الطبية الحيوية الذي ألهم مبادرة ومن ثم شركة “حكيم” الصحية. كما كانت السباقة في استحداث أول كلية للفنون، وإنشاء مركز التصميم الأردني، ومتحف الآثار والمسكوكات، لتؤكد أنها جامعة شاملة تتسع للفكر والإبداع والمعرفة بجميع أشكالها.
ولم تكتفِ اليرموك ببناء نفسها، بل أسهمت من خلال أساتذتها وخريجيها في تأسيس جامعات وطنية أصبحت علامات مضيئة في مسيرة التعليم الأردني؛ فكانت من رحمها جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، والجامعة الهاشمية، وجامعة الطفيلة التقنية، والجامعة الألمانية الأردنية، وجامعة الحسين التقنية. كما شاركت في تطوير جامعات راسخة مثل الأميرة سمية، والبلقاء التطبيقية، وآل البيت، ومؤتة، والحسين بن طلال. وما تزال حتى اليوم ترفد الوطن بأساتذة وخبراء يشكلون نخبة في ميادينهم، ويقودون النهضة في مؤسسات الدولة ومراكز القرار.
إنّ أبناء اليرموك ليسوا مجرد خريجين، بل هم طاقات متدفقة بالعلم والخبرة، قادرون على بناء أعرق الجامعات إذا ما أُتيح لهم أن يكونوا شركاء حقيقيين في صياغة المنظومة التعليمية. وقد جسّد جلالة الملك في ورقته النقاشية السابعة هذا الأفق الجديد للتعليم، وها هم أبناء اليرموك مستعدون للمساهمة فيه بكل ما أوتوا من عزيمة وانتماء.
ورغم ذلك، حُرم أبناء اليرموك طويلاً من المساهمة المباشرة في ادارة جامعتهم كما هو الحال في الجامعة الأردنية ووليدتها جامعة العلوم والتكنولوجيا. إلا أنهم اليوم يجددون العهد بالولاء لقيادتهم الحكيمة، والانتماء الصادق لأردن التاريخ والجغرافيا والحاضر والمستقبل، واضعين أنفسهم في خدمة أهداف الجامعة، داعمين ومساندين لرئيسها الجديد، عطوفة الدكتور مالك الشرايري، ابن اليرموك وخريجها، ومؤكدين استعدادهم للعمل معه جنبًا إلى جنب لتجاوز أزمتها المالية والنهوض بها إلى مكانتها التي تستحقها. وأمام الدكتور الشرايري فرصة حقيقية لتقويم المسار عبر اختيار فريق من القامات اليرموكية، يعملون معًا بروح واحدة لبلوغ المكانة المأمولة للجامعة.
وإننا إذ نختم حديثنا عن اليرموك، نستذكر بفخر تلك اللحظة الوطنية المضيئة حين أطلقت جلالة الملكة رانيا العبد الله حفل “أهل الهمة” احتفاءً بمرور عشرة أعوام على تسلّم جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، وقد كان لي شرف أن أكون عريفًا لذلك الحفل ومديرًا لمجمع الريادة. لم يكن ذلك مجرد احتفاء وطني، بل كان رسالة بأن اليرموك هي أرض الريادة، ومصنع الإبداع، وحاضنة قصص النجاح التي يفخر بها الوطن. ومن هنا، فإن مستقبل الجامعة سيبقى امتدادًا لهذا الإرث العريق، لتظل منارةً تضيء دروب الأجيال، وقلبًا نابضًا بالأمل والعطاء، ما دام فينا نفس ينبض وعقل يحلم وقلب يخفق بحب الأردن.