اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
السوسنة - في زمنٍ تتسارع فيه الاكتشافات وتتزاحم فيه الأمم على صناعة المعرفة، يسطع نورُ إنجازٍ أردنيٍّ جديد يضع جامعة اليرموك—ومعها الوطن—على خريطة الإبداع العلمي العالمي. لقد تمكن الباحث الدكتور أحمد السلمان المشاقبة من كلية العلوم في جامعة اليرموك من حل مسألة رياضية عالقة منذ عام 1992، في مجال التحليل التوافقي، وهو إنجاز غير مسبوق يبرهن من جديد أن في الأردن عقولا قادرة على اختراق أكثر الميادين العلمية تعقيداً.
إن حل مسألة مفتوحة استمرت تقاوم كبار علماء الرياضيات لأكثر من ثلاثة عقود ليس حدثاً عادياً، بل هو قفزة معرفية حقيقية تحتاج إلى قراءة عميقة وإدراك واعٍ لقيمتها العلمية. فالمجتمع الأكاديمي الدولي يعرف تماماً ما يعنيه أن تُحل مسألة رياضية ظلَّت عصيّة على التقدم طوال هذه المدة. إنها شهادة عالمية على تميّز عقل رياضي مُبدع، وعلى بيئة جامعية تحتضن البحث الحقيقي لا البحث الشكلي. وقد نشر الدكتور السلمان بحثه في إحدى المجلات العالمية المرموقة، ليؤكد للعالم أن أبناء الأردن قادرون على تقديم بصمات تضاهي أعرق المدارس البحثية في العالم. وهذا الإنجاز لا يُحتفى به فقط لأنه حل معضلة علمية، بل لأنه يثبت أن العقل الأردني قادر على الإبداع متى ما وجد البيئة التي تستثمر طاقاته.
ومن هذا المنطلق، فإن جامعة اليرموك—باعتبارها الحاضنة الأولى لهذا الإنجاز—مدعوة اليوم إلى الاحتفال الواعي بما تحقق، وتحويل هذا النجاح الفردي إلى قصة نجاح مؤسسية. من حق الجامعة أن تصنع من هذا الإنجاز منصة إعلامية وأكاديمية لإبراز دورها في دعم البحث العلمي، وأن تدفع هذا النموذج النادر من الباحثين إلى واجهة التميز والابتكار. نحن بحاجة إلى مؤتمر خاص، وندوات جامعية، وورشات نقاش تسلط الضوء على تفاصيل الإنجاز، ليتعلم الطلبة والباحثون معنى أن يكون البحث العلمي عملاً جاداً ومسؤولية وطنية.
كما أن الدولة الأردنية مطالبة بأن تعيد النظر في معايير تكريم العلماء. فبدلاً من الاحتفاليات الشكلية، يجب دعم الإنجازات الحقيقية التي تعكس قيمة الأردن العلمية. إن إنجاز الدكتور السلمان ليس حدثاً أكاديمياً عادياً؛ إنه رصيد وطني يجب أن يُمنح أعلى درجات التكريم وأن يترجم إلى دعم مباشر للبحث العلمي. إن الإنجاز الذي تحقق ينبغي أن يكون محور اهتمام حكومي، وخطوة على طريق خلق بيئة علمية قادرة على إنتاج المعرفة.
وعليه، فإنني أدعو جامعة اليرموك لترشيح الدكتور السلمان لجوائز التميّز محلياً وعربياً ودولياً، ودعم هذا الترشيح من قبل وزارة التعليم العالي، إلى جانب اهتمام المؤسسات الوطنية بهذا النموذج الذي يشرف الأردن في المحافل العلمية.
الدكتور أحمد السلمان ليس مجرد باحث حقق إنجازاً شخصياً؛ إنه نموذج لما يمكن أن يكون عليه الأردن حين يؤمن بأبنائه ويمنحهم المساحة ليبدعوا. إننا أمام قصة نجاح تستحق أن تُروى وأن تتحول إلى مصدر إلهام لكل طالب وباحث ومؤسسة تؤمن بأن العلم هو الطريق نحو مستقبل أفضل. فلتكن هذه اللحظة بداية عهد جديد يحتفي بالعلم الحقيقي، ويقدر العلماء، ويضع الأردن في المكانة التي يستحقها بين الأمم: في طليعة الدول إنتاجاً للمعرفة، لا استهلاكاً لها.












































