اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
طوفان الأقصى: من حدثٍ قضيّاتي إلى معركةٍ عالميّة.
أزهر الطوالبة
لم تكن عملية طوفان الأقصى، على ضخامتها وصداها الاستراتيجي، سوى إحدى حلقات المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال. كان يمكن لهذه العمليّة أن تأخذ مسارًا مشابهًا لعملياتٍ سابقة مثل: سيف القدس. حيثُ يستعر الاشتباك لأسابيع أو أشهر، ثم تنطفئ النيران مؤقتًا من دون أن يغيّر ذلك قواعد اللُّعبة الكبرى. لكنّ، ما حدث هذه المرة أخرج المشهد من إطار 'العملية العسكريّة' إلى ما هو أبعد: إلى صراعٍ دوليٍّ على شكل النظام العالميّ المُقبل.
فما جرى بعد السابع من تشرين الأوّل، لا يُمكن عزله عن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فإرسال حاملات الطائرات والأساطيل البحرية إلى شرقِ المتوسِّط لم يكن خطوة دفاعية لحماية إسرائيل فحسب، بل رسالة موجّهة إلى إيران ومحور المقاومة بأكمَله. واشنطن قرأت العمليّة باعتبارها فُرصةً سانحة لإشعال مواجهةٍ أوسع، يُمكن أن تفتح الطريق إلى ضرب إيران أو على الأقل إنهاكها، بما يضمن إعادة ترسيم ميزان القوى في الإقليم، وبالفعِل، هذا ما حدَث.
بهذا المعنى، لم تتعامل الولايات المتحدة مع غزة كجغرافيا مُحاصرة أو كملفٍ فلسطينيٍّ داخليّ، بل كمسرحٍ مُتقدّم لصراعها على الهيمنةِ الدوليّة. فالتّصعيد لم يكن خيارًا إسرائيليًّا خالصًا، بل جزءًا من وظيفة إسرائيل في المشروع الأميركي: أداة لتنفيذ حرب وكالة تستهدف خصوم واشنطن.
إسرائيل، التي حصلت على تعهّداتٍ أميركية بدعمٍ غير مسبوق، لم تعُد ترى في المواجهة مع الفلسطينيين مجرّد صراعٍ محليّ، بل مدخلًا لتحقيق مشروعها الأوسع ' إسرائيل الكُبرى'، المُتمثِّل بالسيطرة على كامل المِنطقة. في المقابل، واشنطن منحتها الغطاء السياسي والعسكري والاقتصادي، مقابل أن تتحمّل إسرائيل مهمة إشعال الجبهة مع إيران، أو على الأقل استدراجها إلى مواجهةٍ مفتوحة تُعيد المنطقة إلى حالة 'حرب حزيران' جديدة. لكن، في ظروفٍ أكثر تعقيدًا وتشابكًا.
وفي ذات السّياق، فإنَّ ما يدور في غزة لا يمكن فصله عن ما يجري في أوكرانيا. كلاهما ساحة من ساحات الحرب، التي تخوضها الولايات المتحدة للحفاظ على النظام أحادي القطبيّة. ففي أوروبا، تم دفع روسيا إلى حرب استنزافٍ طويلة، وفي الشرق الأوسط، يُستخدم الاحتلال الإسرائيلي لفتحِ جبهةٍ مع إيران ومحورها. الهدف النهائيّ واحد: عرقلة صعود أقطاب مُنافسينَ، سواء كانوا روسيا أو الصين أو قوى إقليميّة مثل: إيران.
إنها استراتيجية 'الحروب الموزّعة'. فبدلًا من مواجهةٍ مباشرة وشاملة مع القوى الصاعدة، تُشعل واشنطن بؤر توتُّر مُتزامنة، تربك خصومها وتستنزف طاقاتهم، وتُبقي يدها هي العليا في إدارة ميزان القوى العالمي.
هكذا، تكون غزّة قد تحوَّلت من ساحةٍ فلسطينيّة محاصرة إلى شرارة صراع عالمي. فالقضية، في بعدها المباشر، لم تعُد مرتبطةً بالحصار أو بالمقاومة وحدها، بل أصبحت جزءًا من معركةٍ كبرى لتحديد وجهة النظام الدولي. فما تفعله الولايات المُتّحدة اليوم هو إعادة إنتاج 'الحرب الباردة' بطريقة أكثر عُنفًا: مواجهةٌ مع روسيا في أوروبا، مواجهة مع إيران في الشرقِ الأوسط، وفي الخلفيّة إبقاء الصين محاصرة بضغوطٍ اقتصاديّة وعسكريّة في آسيا.
إذَن، المسألةُ ليست طوفان الأقصى في ذاته، بل استثمار أميركا لهذه العملية وتحويلها إلى مدخل لصراع أوسع. لقد أشعلت واشنطن من غزة شرارة حرب القطبية الحصريّة، تمامًا كما وسّعت الحرب في أوكرانيا. وبينما تُغري إسرائيل بوعد السيطرة على كامل فلسطين، ومِن ثمّ تحقيق 'إسرائيل الكُبرى'، تدفعها، أيضًا، إلى دورٍ أخطر، وهو أن تكون رأس الحربة في مواجهة إيران ومحور المقاومة.
نحن أمام لحظةٍ تاريخيّة، لا تُختصر بحدود فلسطين، بل ترتبط بمسار العالم كُلّه، وبسؤال من سيكتب قواعد النظام الدولي المقبل.