اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة الحقيقة الدولية الاخبارية
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
الحقيقة الدولية – عمّان – كتب الكابتن الطيار عمر الجهماني
في مساء يوم الأربعاء الموافق ٢٧/٨/٢٠٢٥، قررت أن أذهب مع أصدقائي إلى أحد أسواق العقبة لنتسوق ونقضي بعض الوقت. وبعد أن أنهيت شراء حاجياتي، وقفت على الرصيف أنتظر أصدقائي حتى ينهوا تسوقهم. لم أكن أعلم أن لحظة صغيرة ستبقى عالقة في ذاكرتي إلى الأبد.
بينما كنت أنظر إلى المارة، استوقفني مشهد غريب ومؤثر في الوقت نفسه. طفل صغير، لا يتجاوز عمره السبع سنوات، كان يحمل بيده ثلاث علب من اللبن. جلس على الرصيف، وبدأ بفتح العلب واحدة تلو الأخرى. أمامه ثلاث قطط هزيلة، تبدو عليها علامات الجوع والعطش، خصوصاً في ذلك اليوم شديد الحرارة الذي اعتادت عليه مدينة العقبة.
ما إن فتح الطفل العلب حتى دفع بكل واحدة منها أمام قطة، وبدأت القطط تشرب اللبن بشراهة. اقتربتُ منه مبتسماً وقلت:
“إنت شاطر يا بطل، والله إن شاء الله ربنا رح يكرمك بمستقبل حلو، لأنك إشتريت اللبن للقطط.”
رفع رأسه إليّ بابتسامة بريئة وقال:
“الحمد لله عمو، أهم شي القطط تشرب وتشبع. هاي حيوانات أليفة وما إلها حدا. أنا اشتريت اللبن من مصروفي، وبقي معي عشر قروش بس. عادي عمو، بقول لأهلي إني اشتريت عصير أو آيس كريم. شوف كيف كانوا جوعانين المسكينات.”
أدهشني حديثه، وتأثرت بطيبة قلبه التي تفوق سنه بكثير. كيف لطفل بهذا العمر أن يختار أن يحرم نفسه ليُطعم هذه الكائنات الضعيفة؟ سألته عن اسمه، فأجاب بكل ثقة:
“أنا اسمي راكان.”
عند سماع الاسم، غمرتني فرحة كبيرة؛ فمنذ صغري كنت أطلق على نفسي اسم “راكان”، وأحببته كثيراً لدرجة أنني سميت ابني الأكبر به. وكأن القدر أراد أن يرسل إليّ إشارة عبر هذا الطفل الطيب. ابتسمت وسألته عن اسمه الكامل، فقال: “راكان شحادات.”
في تلك اللحظة، امتلأ قلبي بالبهجة والإعجاب. يا لها من تربية عظيمة! وكم هو رائع أن ترى طفلاً صغيراً يحمل في قلبه كل هذا الحنان والإيثار! رفعت يدي ودعوت الله عز وجل أن يحفظه ويحفظ أهله الذين ربّوه على الأخلاق النبيلة وجبر الخواطر.
خرجت من السوق وأنا أفكر بكلمات ذلك الطفل، وأردد في نفسي:
اللهم ازرع في قلوب عبادك جبر الخواطر، وحب الناس لبعضها، ومساعدة بعضها. فما أعظم أن يكون في دنيانا أطفال مثل راكان.