اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
غزة لا تموت بالقصف فقط، بل تموت ببطء... بالجوع.
الكابتن اسامة شقمان
منذ 660 يومًا، تعيش غزة تحت حصارٍ خانق جعل من أبسط مقومات الحياة حلمًا بعيد المنال. ليست الحرب وحدها ما يقتل، بل الجوع الذي يتسلل بصمت إلى كل بيت، وكل جسد، وكل طفل ينام على وسادة من الهواء، وبطن فارغ.
في هذا الجزء الصغير من الأرض، تحوّل الطعام إلى سلعة نادرة، والماء إلى أمنية، والدواء إلى ترف لا يُتاح إلا للمحظوظين. خلال هذه الأيام الـ660، لم يكن الجوع مجرد أزمة غذائية، بل سلاحًا ممنهجًا، يُستخدم ببطء، ببرود، وبتعمد، لإرهاق الناس وكسر إرادتهم.
الأفران أغلقت، المخابز تلاشت، الأسواق فارغة، والمساعدات لا تصل إلى معظم السكان. عائلات بأكملها تتقاسم وجبة واحدة، إن وُجدت. أطفال ينهارون من التعب قبل الجوع. أمهات يحاولن تخفيف ألم أبنائهن بقصة أو دعاء، بينما معدة الطفل تئن.
'جثث تمشي على الأرض'
هكذا وصفت بعض وكالات الإغاثة الدولية حال سكان غزة. فمع مرور الوقت، لم يعد الجوع مجرد شعور عابر، بل تحول إلى حالة مزمنة تُصيب الجسد والروح. المشي لمسافة قصيرة صار مرهقًا، والانتظار في طوابير الخبز صار اختبارًا للبقاء. لا ماء نقي، ولا غذاء كافٍ، ولا أمل قريب.
إنه جوع لا يصرخ، لكنه يقتل. جوع لم يعد بحاجة إلى قنابل، لأن تأثيره يتسلل إلى العظام، ويجفف الدم، ويُغلق العيون إلى الأبد دون أن يُسمع صوت.
في غزة اليوم، لا شيء يشبه الحياة. لا كهرباء، لا طحين لصنع الخبز، لا أدوية لتخفيف آلام المرضى. شبكة المياه مدمرة، والمستشفيات صارت أنقاضًا أو تعمل بموارد شبه معدومة.
كل ما تبقى هو الطوابير. طوابير على شيء لا يُعرف إن كان سيأتي: كيس دقيق؟ قطعة خبز؟ زجاجة ماء؟ الطوابير هنا ليست فقط للحصول على الغذاء، بل انتظار للبقاء على قيد الحياة.
بصيص من الأمل... يسقط من السماء
وسط هذه الكارثة، برزت بعض المبادرات الشجاعة. القوات الجوية الأردنية، ومن بعدها الإماراتية، نفذت عمليات إسقاط جوي للمساعدات. أكياس من الطحين والدواء تسقط من السماء كما لو أنها تحمل وعدًا صغيرًا بالحياة.
ورغم محدودية أثرها، فإن لهذه العمليات قيمة رمزية كبيرة. إنها تقول لسكان غزة: 'لستم وحدكم'. لكنها لا تكفي. الجوع أكبر من تلك المساعدات، والحصار أوسع من أن يُخترق بهذه القطرات.
ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة موثقة بالصمت العالمي. 660 يومًا من التجويع الممنهج يكشف عن وجه آخر للحرب: حرب تُشن على البطون الخاوية، وعلى الأرواح التي لا تجد ما يُبقيها.
إن ترك شعب كامل دون غذاء، دون دواء، دون ماء، هو شكل من أشكال الإبادة، حتى لو تم بدون رصاصة واحدة.
الحديث عن غزة لم يعد حديثًا عن صراع، بل عن حياة تُسحق في العلن. المجاعة هنا ليست قدرًا، بل قرار. كل يوم يُمنع فيه الغذاء، كل حاجز يُغلق، كل شاحنة تُمنع من العبور، هو مشاركة في الجريمة.
660 يومًا من الصمت تكفي. العالم مدعو لا للندم بعد فوات الأوان، بل لفعل شيء قبل أن تتحول المجاعة إلى محرقة لا يمكن التراجع عنها.
.