اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
اختبار التحالف… حين تتحوّل السماء إلى ساحة صراع بين واشنطن وتل أبيب
كتب زياد فرحان المجالي -
في زمنٍ لم يعد فيه السلاح مجرّد أداة حرب، بل لغة تفاهم وتوازن بين الحلفاء، تقف إسرائيل اليوم أمام اختبارٍ هو الأخطر في تاريخ علاقتها بالولايات المتحدة. فبعد عقودٍ من الدعم غير المشروط، بدأت السماء تضيق بينهما، لتتحوّل صفقة الطائرات المقاتلة إلى مقياسٍ جديد لطبيعة التحالف ذاته
طائرات الشبح أم ظلال الخلاف؟
تقدّم إسرائيل منذ أشهر على مسارٍ توسّعي لشراء دفعات جديدة من طائرات 'F-35”، وتطمح إلى تصنيع مكونات خاصة بها داخل مصانع محلية، بذريعة الحاجة إلى 'استقلال تسليحي” بعد الحرب الأخيرة في غزة. لكنّ هذا الطموح يصطدم بتحفّظ أميركي واضح، فواشنطن التي كانت تسمح سابقًا لإسرائيل بما يفوق حاجتها العسكرية، باتت اليوم أكثر حذرًا في إعادة تعريف 'الشريك الأمني”.
لقد بدأت مؤسسات القرار الأميركية ترى أنّ تل أبيب تتعامل مع الدعم العسكري وكأنه رخصة تفوّق دائمة لا تتأثر بالسياسة أو الأخلاق، في حين تعتبر الإدارة الأميركية الحالية أن المرحلة تفرض ضبط إيقاع القوة الإسرائيلية ضمن حدود تضمن التوازن الإقليمي ولا تجرّ واشنطن إلى حروبٍ جديدة بالوكالة.
بين الحاجة والرغبة
يظهر من المعطيات أن إسرائيل تريد من هذه الصفقة أكثر من طائرات؛ تريد إثباتًا رمزيًا لاستمرار 'الاستثناء الإسرائيلي” في واشنطن. أمّا الولايات المتحدة، فترى في التأجيل والتقييد المالي وسيلة ضغط ناعمة لإجبار حكومة نتنياهو على مراجعة سلوكها السياسي والعسكري، خاصة بعد تزايد الانتقادات داخل الكونغرس والإعلام الأميركي تجاه الانتهاكات في غزة.
هذا التحوّل ليس شكليًا. فواشنطن بدأت تُدخل ملفات مثل حقوق الإنسان، والمحاسبة القضائية، والشفافية في صفقات السلاح إلى جدول العلاقة الثنائية. أي أن 'التحالف الحديدي” الذي ظلّ خارج المحاسبة لعقود، بات اليوم خاضعًا لتقييمٍ استراتيجي جديد يوازن بين المصالح والمبادئ.
الاقتصاد خلف المقاتلة
تبلغ قيمة الصفقة المطروحة قرابة عشرة مليارات دولار، وتشمل 25 طائرة إضافية ومشاريع بنى تحتية لمراكز تشغيلها في النقب. لكنّ الأرقام تكشف أكثر مما تُخفي: فالأزمة الاقتصادية الإسرائيلية بعد الحرب، وتراجع الاستثمار الأجنبي، جعلت من تمويل الصفقة عبئًا سياسيًا على الحكومة، بينما لم تعد واشنطن قادرة على تغطية الكلفة الكاملة كما في السابق.
لقد تغيّر مفهوم 'المساعدات” نفسه. لم تعد الولايات المتحدة تمنح بلا مقابل، بل تسعى إلى شراكة مالية تُظهر المحاسبة أمام الرأي العام الأميركي. إسرائيل التي طالما قدّمت نفسها كقاعدة متقدمة للمصالح الأميركية، تجد نفسها اليوم مطالبة بتقاسم الكلفة، لا بتلقّي المنح.
نتنياهو بين الاستعراض والمأزق
يحاول نتنياهو استثمار التوتر لصالحه داخليًا. يقدّم نفسه كزعيم يواجه 'ضغوط الخارج”، ويوظّف الحديث عن الصفقة في خطابه القومي ليقول إن إسرائيل ما زالت 'قوة لا تُردع”. لكنّ هذا الاستعراض لا يخفي هشاشة الواقع. فالجيش الذي فشل في حسم معركة غزة، والاقتصاد الذي يعاني من نزيفٍ متسارع، يجعلان من صفقة الطائرات رهانًا سياسيًا أكثر منه مشروعًا دفاعيًا.
نتنياهو يعلم أن الوقت ليس في صالحه. فكل تأجيل أميركي ينعكس على معنويات الجيش، وكل تجميد للتمويل يفتح باب النقاش الداخلي حول جدوى استمرار الحكومة الحالية. لهذا، يصرّ على تصوير الخلاف وكأنه 'امتحان كرامة وطنية”، بينما هو في الحقيقة مؤشر على فقدان الثقة المتبادل بين المؤسستين السياسية والعسكرية في البلدين
واشنطن: من الرعاية إلى المراجعة
في المقابل، تتحرّك واشنطن ضمن استراتيجية جديدة عنوانها 'الشراكة المشروطة”.
لم تعد ترى إسرائيل كامتدادٍ طبيعي لها، بل كحليفٍ يحتاج إلى ضبطٍ دوريّ. هذه المقاربة، التي ظهرت ملامحها منذ إدارة بايدن وبدأت تتبلور في عهد ترامب الثاني، تقوم على فكرة أن التحالف يجب أن يخدم المصالح الأميركية أولًا، لا أن يتحوّل إلى عبء دائم.
ومن هنا، يُفهم أن الولايات المتحدة تستخدم صفقات السلاح أداة لإعادة هندسة السلوك الإسرائيلي. فكل تأجيل في التسليم، وكل نقاش في الكونغرس، هو في جوهره رسالة سياسية تقول: 'لن تحصلوا على السماء، ما لم تعيدوا ترتيب الأرض”.
المعنى الأعمق للتحالف
تاريخ العلاقة بين تل أبيب وواشنطن كان دائمًا مرآة لتوازن القوى في المنطقة. اليوم، تبدو هذه المرآة مكسورة جزئيًا: إسرائيل لم تعد قادرة على فرض شروطها، والولايات المتحدة لم تعد مستعدة للدفع دون حساب.
التحالف لا ينهار، لكنه يتحوّل من علاقة رعاية إلى علاقة مراجعة، من حماية مطلقة إلى مساءلة استراتيجية.
في الجوهر، هذه ليست أزمة طائرات، بل أزمة ثقة. فالسماء التي كانت فضاءً مشتركًا للطموح والهيمنة، صارت مسرحًا لاختبار النوايا.
من الواضح أن زمن 'التحالف المقدّس” بين واشنطن وتل أبيب يتآكل من الداخل.
الطرفان ما زالا يحتاجان إلى بعضهما، لكن كلاً منهما بدأ يُعيد تعريف الآخر وفق واقعه الجديد:
إسرائيل المرهقة تبحث عن مظلة تحميها، وواشنطن المثقلة بالملفات تسعى إلى حلفاءٍ لا إلى أعباء.
وبين الرغبة والواقع، تظلّ السماء عنوانًا رمزيًا لصراعٍ لم يُحسم بعد:
من يملك الحق في التحليق؟ ومن يملك قرار الهبوط؟
أسئلة تكتب ملامح المرحلة القادمة من العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، حيث لا تحدد الصفقات وحدها مسار التحالف، بل يحدده ميزان القوة الأخلاقي والسياسي في عالمٍ تغيّر كثيرًا… ولم تعد فيه إسرائيل كما كانت.












































