اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١ حزيران ٢٠٢٥
في لحظة فارقة، ووسط تحديات عالمية تتسارع فيها وتيرة التحولات، بزغ نور المعرفة من قلب الجامعة الأردنية، الجامعة الأم، التي احتضنت ملتقى الأساتذة الفخريين في نسخته الثانية، تحت عنوان بالغ الدلالة: 'التعليم العالي في عصر التحوّلات المتسارعة'. لم يكن الملتقى مجرّد مناسبة أكاديمية عابرة، بل كان مشهداً من مشاهد التوهّج العقلي والتواصل الإنساني الرفيع، حين اجتمعت القامات العلمية من مختلف دول العالم في حوار معرفي عابر للثقافات، جامع للخبرات، وصانع للأمل.
برعاية معالي الدكتور عزمي محافظة، وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، وحضور نوعي لنخبة من كبار العلماء والخبراء، تحولت الجامعة الأردنية إلى منصة عالمية تصدح بنداء واحد: استثمروا في العقول، فهي أعظم ما نملك.
إن الأساتذة الفخريين ليسوا فقط رموزًا أكاديمية، بل هم كنوز وطنية وإنسانية، نضجت خبراتهم وارتقت أفكارهم، وباتت رؤاهم ضرورية لرسم سياسات تعليمية تنهض بالأمة، وتدفع بالبحث العلمي إلى آفاق أرحب. علينا أن نكسر جدران الإقصاء، وأن نُعيد لهؤلاء الكبار مكانتهم اللائقة في قلب القرار الأكاديمي والبحثي.
وقد أصاب معالي الدكتور محافظة كبد الحقيقة حين قال إن هذا الملتقى هو إعلان صريح بأن العلاقة مع العقول اللامعة لا تنتهي بالتقاعد، بل تبدأ من جديد، في طورٍ آخر من العطاء. وهذه هي الرؤية الصائبة التي يجب أن تُكرّس في مؤسساتنا: فالقيمة لا تزول، والخبرة لا تموت، والعلم لا يُحجَب.
ولعلّ ما يجعل هذا الملتقى أكثر عمقًا وتأثيرًا هو التوجّه الواضح نحو التشبيك العلمي الدولي، والانفتاح على الجامعات العالمية، كما أشار إلى ذلك البروفيسور فليب جيسوب من جامعة كوينز الكندية، الذي تحدث بصدق عن ذكاء طلبة الجامعة الأردنية وشغفهم اللافت بالمعرفة، مُشيدًا بالتجربة التعليمية التي لمسها بنفسه.
في المقابل، كان لرئيس الجامعة الأردنية، معالي الدكتور نذير عبيدات، رؤية ثاقبة عبّر عنها بكل وضوح، مؤكدًا أن الجامعات ليست كيانات أكاديمية جامدة، بل هي مؤسسات للتغيير المجتمعي، قادرة على إنتاج الحلول، وتوجيه البوصلة نحو مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية. لقد قالها بصراحة: 'نحن نعيش زمن الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، والتحولات المناخية الكبرى... فكيف نُعِدُّ طلبتنا لهذا الزمن؟' سؤال وجودي يستحق أن يكون محور كل نقاش أكاديمي اليوم.
نعم، ما نحن بحاجة إليه ليس فقط مناهج جديدة، بل رؤية شاملة للتعليم تقوم على الإبداع، والريادة، والانفتاح على المستقبل. وما كان هذا الملتقى إلا خطوة شجاعة نحو هذا الطريق الطويل.
إن الجامعات لا تُقاس بجدرانها، بل بعقول أبنائها، وجرأة إدارتها، وحيوية بيئتها الفكرية. والجامعة الأردنية اليوم، وهي تحتضن هذه الكوكبة من العلماء، تؤكد أنها لا تزال في الطليعة، تحمل مشعل التميز، وتفتح أبوابها لكل فكرة مشرقة، ولكل يد تمتد حاملة بذور التغيير.
فلنؤمن أن العقل هو الاستثمار الأغلى، وأن الدول لا تتقدم إلا إذا وضعت البحث العلمي والابتكار في مقدمة أولوياتها. وليكن هذا الملتقى نداءً نابعًا من عمان إلى كل العالم: نحن هنا... نفكّر، نُبدع، ونسعى لأن نكون في قلب المستقبل، لا في هامشه.