اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
من الحفر الامتصاصية إلى المياه الجوفية… تحديات بيئية في لواء بني كنانة
إعداد:أسامة خطايبة وبشار الصمادي *
'طول عمرنا بنشرب من مية العين لكنها آخر السنوات بطلت صافية وصار فيها طعم وريحة غير مستساغة' يصف الستيني أبو حسن طوالبة من قرية سحم الكفارات شمال لواء بني كنانة في محافظة إربد مشهد الطلب على المياه الجوفية من 'عين تراب' بشكل اعتيادي إلى حين ظهرت تغييرات غير عادية ويعتقد سببها كثرة الحفر الامتصاصية في البلدة.
وعن مدى خطورة وجودها في المنازل، يستذكر الخمسيني زكريا خلايلة من قرية سمر الكفارات قصة زوجة صديقة التي فقدت حياتها جراء السقوط في الحفرة 'كانت بتقدم العلف للدجاج اللي مربيته بحوش البيت ولما وصلت قريب الحفرة وقعت فيها ولما طلعوها الدفاع المدني كانت مفارقة الحياة'.
يعتمد السكان في اللواء (عددهم 153 ألف نسمة)، على الحفر الامتصاصية للتخلص من المجاري بدل عن شبكة الصرف الصحي، التي لم تتوفر في المنطقة حتى اليوم، وتعتبر المنطقة وفيرة بالمياه الجوفية بين الأودية ومنها آبار ارتوازية تغذي السكان بشكل اعتيادي منذ العصور القديمة.
وطالب محمد غوانمة على لسان سكان قرية سحم التي تشكو حال التزويد بالمياه الصالحة للشرب، بضرورة إعادة تنقية وإستخدام مياه 'البئر الارتوازي' في القرية بعد أن أغلقته وزارة الزراعة بسبب انتشار 'الأمونيا' السامة في مياه البئر.
وفيما يتعلق بالأثر البيئي، يشتكي زكريا عبيدات من قرية كفرسوم، من شدة انتشار القوارض والحشرات والروائح خاصة في فترات الصيف وخلال الشتاء تفيض الحفر وتتسرب إلى محيط المنزل.
ترتبط الأحداث بين الحل الوحيد في التخلص من مياه الصرف الصحي في اللواء من خلال الحفر الامتصاصية ومنها ذات عمر البناء الذي يتجاوز مئة عام، وبين الحاجة لاستمرارية سلامة المياه الجوفية وخاصة الآبار الإرتوازية لضعف التمديد من شبكات المياه التي بالأصل لا تصل لكافة المنازل.
وتشهد مناطق شمال/غرب إربد، من سحم الكفارات حتى حدود اليرموك، أزمة مياه متفاقمة تحوّلت من شح في الموارد إلى تهديد بيئي وصحي ، فقد أُغلقت آبار رئيسية مثل بئر سحم بسبب تدهور جودة المياه، فيما أصبحت ينابيع كعين خريبة والرفيد مهددة بالتلوث البكتيري والكيميائي، نتيجة غياب شبكات الصرف الصحي والأنشطة البشرية العشوائية، وفقًا لدراسة ميدانية أجراها الباحث محمد الفرجات عام 1997 ضمن رسالة ماجستير في الجامعة الأردنية.
وينذر المهندس المياه والبيئة محمد فرجات، في ظل غياب شبكات صرف صحي منظمة في قرى اللواء، بأزمة بيئية مؤكدة ناتجة عن المشكلة طبيعة التكوين الكارستي المعروف باسم 'أم الرجام – B4'، المكوَّن من الحجر الجيري والمارل، والذي يتميز بمسامية ثانوية عالية تسمح بتسرب الملوثات بسرعة إلى الطبقات الجوفية، دون وجود تنقية طبيعية فعالة.
وذكر فرجات أن الحلول يمكنها اليوم أن تنقذ ما نَحذره مستقبلًا، حيث تبدأ بالرغبة الحكومية لمنطقة لواء بني كنانة خاصة ثم تطبق من خلال 'شبكات صرف صحي لا مركزية' ومحطات معالجة صغيرة للمياه العادمة باستخدام تقنيات مثل SBR / MBR لفقدان المنطقة من وجود أي نوع هذه المحطات.
ويشدد الفرجات، لضرورة التعامل العلمي مع الأزمة الأزلية الممتدة لعصر تكنولوجيا الحلول وعدم التهاون معها مطلقا بالشراكة ما بين الحكومة والمجتمع المحلي، ولضرورة إنشاء صندوق وطني لحماية المياه الجوفية قبل فقدانها أو تلوثها الكامل.
المصدر: شركة مياه اليرموك
تتولى شركة مياه اليرموك إدارة الملف، وتعمل على حد قولها على رفع نسبة السكان المخدومين بشبكات الصرف الصحي في مختلف المدن والقرى في المحافظات الأربعة حيث يبلغ عدد العقارات المخدومة أكثر من (150000) مائة وخمسون ألف عقار ، وهناك نظام متكامل لمعالجة وتنقية مياه الصرف الصحي وعدد آخر من محطات الرفع وإعادة الضخ، ويبلغ طول الشبكة أكثر من ( 1500 ) كم، وفقا للموقع الرسمي للشركة.
ومن الجانب البيئي والجيولوجي لإعادة تشغيل البئر الارتوازي في قرية سحم، يقول د.أحمد الشريدة، أن إعادة تشغيل البئر في منطقة الشعلة لا يمكن اعتباره خيارًا آمنًا إلا بعد صدور نتائج علمية دقيقة من المختبرات المختصة. وأشار إلى أن البئر غير الصالح للشرب هو أيضًا غير صالح للزراعة، بسبب انتقال الملوثات عبر السلسلة الغذائية ما يؤثر مباشرة على صحة الإنسان، وأن إغلاق البئر هو الحل الوحيد حالة ثبوت تلوثه.
وأشار إلى أن الجور الامتصاصية تُشكّل تهديدًا مباشرًا للمياه الجوفية ليسبب تلوثًا بيولوجياً وكيميائيًا، داعياً إلى إنشاء شبكة صرف صحي متكاملة ترتبط بمحطة معالجة مركزية، للسماح باستخدام المياه المعالجة في زراعة الأشجار غير المثمرة والبرسيم
وفيما يخص نبع 'عين التراب' شدد الشريدة، على أن تحديد صلاحية المياه يتطلب فحصًا مخبريًا دقيقًا، وليس الانطباعات أو الشائعات، مضيفاً أن وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة المياه تجري فحوصات دورية لمصادر المياه في مختلف مناطق المملكة.
وبدوره، قال الناطق الإعلامي لشركة مياه اليرموك معتز عبيدات، أن مصادر المياه الجوفية في لواء بني كنانة مازالت أمنه حسب الفحوصات التي تقوم بها مديريات الصحة والمختبرات في الشركة، ولم تسجل حتى اليوم أي تأثير الحفر الامتصاصية على الآبار والعيون الجوفية في المنطقة.
وبيّن عبيدات، ان كوادر الشركة قامت مؤخرًا بتصوير ودراسة حالة البئر الارتوازي في سحم الكفارات وتم رفعها إلى وحدة المشاغل المركزية في وزارة المياه والري لبحث إمكانية استغلال البئر مستقبلًا، مشيرًا لردم بئران مجاوران ردم كلي بسبب إرتفاع الأمونيا والتلوث الصحي غير الآمن للاستخدام البشري.
* طور هذا التقرير ضمن المبادرة الصحفية (ECO Media) التي تأتي ضمن برنامج 'جيل جديد' المنفذ من منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية - أرض.