اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٦ كانون الأول ٢٠٢٥
أوروبا في زمن الانكشاف… كيف فقدت القارة قدرتها على صناعة القرار؟ #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي
تمرّ أوروبا اليوم بلحظة يمكن وصفها بأنها الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية؛ لحظة تختلط فيها الهشاشة بالارتباك، وتتصادم فيها المؤسسات الراسخة مع واقع جيوسياسي متحوّل يتجاوز قدرة القارة على مواكبته. فعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يملك ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ويضم بنية مؤسسية ضخمة وقدرات عسكرية معتبرة، إلا أنه يعيش حالة 'انكشاف بنيوي” عميق: انكشاف أمام الولايات المتحدة أمنيًا، وأمام الصين اقتصاديًا، وأمام روسيا استراتيجيًا، وأمام الداخل الأوروبي سياسيًا وشعبيًا.
أولًا: الحرب في أوكرانيا… المرآة التي كشفت هشاشة القارة
كانت الحرب في أوكرانيا لحظة اختبار قاسية. فبينما حرصت أوروبا طوال سنوات على الترويج لمفهوم 'الاستقلال الاستراتيجي”، جاءت الصدمة الروسية لتكشف أن هذا الاستقلال لم يكن سوى خطاب سياسي بلا أدوات حقيقية.
لا تملك أوروبا اليوم القدرة العسكرية الكافية لمواجهة روسيا دون الدعم الأميركي؛ المخازن فارغة، الإنتاج العسكري محدود، والجيوش منهكة بعد سنوات من تقليص الميزانيات. وحتى فرنسا وألمانيا، اللتان كانتا تطرحان نفسيهما كقوتين مستقلتين، تبين أن قوتهما الفعلية أقل بكثير مما يُتخيّل.
ومع انشغال واشنطن بالمنافسة مع الصين، شعرت موسكو بأن الفراغ يتسع، فاندفعت نحو تغيير ميزان القوى في أوكرانيا. أوروبا لم تبادر، بل ردّت تحت الضغط، لتكتشف أن أمنها لا يزال مرتبطًا بشكل كامل بالإرادة الأميركية.
ثانيًا: اقتصاد أوروبا بين المطرقة الأميركية والسندان الصيني
اقتصاديًا، تبدو الصورة أشد تعقيدًا. فالقارة محاصرة بين قوتين عملاقتين:
الولايات المتحدة، التي تفرض قيودًا على التكنولوجيا والطاقة والمعادن الحساسة.
والصين، التي تُعتبر السوق الأكبر للصناعة الأوروبية، خصوصًا السيارات والأجهزة الدقيقة.
هذا الوضع جعل أوروبا تتردد في اتخاذ أي موقف نهائي.
هي لا تريد خسارة الصين، ولا تستطيع تحدي واشنطن.
ومشاريع النهوض الصناعي التي أطلقتها بروكسل –في مجال الشرائح الإلكترونية والهيدروجين الأخضر وصناعة البطاريات– ما تزال في بداياتها، وتصطدم بغياب التمويل الكافي وتضارب المصالح الوطنية.
ثالثًا: الشرق الأوسط… ساحة فقدت فيها أوروبا قدرتها على التأثير
بعد أن كانت أوروبا لاعبًا دبلوماسيًا مهمًا في الشرق الأوسط، تراجع تأثيرها بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة:
الملف الإيراني أصبح بيد واشنطن، بعد أن فقدت أوروبا دور الوسيط الرئيسي في الاتفاق النووي.
الملف السوري تديره موسكو وطهران وأنقرة، فيما تكتفي أوروبا ببيانات سياسية بلا وزن.
ليبيا تحولت إلى ساحة تنافس إقليمي، مع غياب أوروبي شبه كامل.
القضية الفلسطينية أصبحت رمزًا لعجز أوروبا، التي لم تستطع صياغة مبادرة واحدة مؤثرة منذ سنوات.
خسرت أوروبا أدوات النفوذ التي امتلكتها سابقًا: لا أموال إعادة إعمار، لا قوة عسكرية، ولا رؤية سياسية موحدة.
رابعًا: أزمة داخلية تهدد تماسك القارة
التحديات الداخلية ليست أقل خطورة من التحديات الخارجية:
صعود اليمين الشعبوي في فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
تراجع الثقة بالاتحاد الأوروبي.
الخلافات بين دول الشمال والجنوب حول الهجرة والاقتصاد.
أزمة الطاقة التي كشفت هشاشة البنى التحتية.
هذه الأزمات جعلت أوروبا غير قادرة على إنتاج قيادة سياسية قوية، في وقت يحتاج فيه العالم إلى شريك أوروبي مستقر وفاعل.
خامسًا: هل يمكن لأوروبا استعادة دورها؟
على الرغم من كل مظاهر الضعف، فإن أوروبا لا تزال تمتلك فرصة تاريخية للعودة، لكنها تحتاج إلى:
1. مشروع دفاعي مستقل يقلل الاعتماد على واشنطن.
2. سياسة خارجية موحدة بدلًا من تعدد الأجندات الوطنية.
3. ثورة صناعية جديدة تعيد التوازن أمام الولايات المتحدة والصين.
4. قيادات سياسية جريئة تتجاوز الحسابات الانتخابية نحو رؤية استراتيجية طويلة الأمد.
إن لم تفعل أوروبا ذلك، فستتحول إلى قوة اقتصادية فقط—غنية الموارد، فقيرة القرار.
إنّ أوروبا تواجه اليوم سؤالًا وجوديًا:
هل تريد أن تكون لاعبًا يصنع التوازنات، أم ساحة تتقاطع فوقها مصالح القوى الكبرى؟
الجواب لم يُحسم بعد… لكن العالم لن ينتظر طويلاً.
---












































