اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
الشرق الأوسط على أعتاب تحولات تاريخية، فالبنى الهشة التي تشكلت بعد الحرب الباردة باتت تترك مكانها لتوازنات إقليمية جديدة. وتخطو تركيا والعالم العربي معاً مرحلة جديدة في هذه العملية التحولية، إذ يُفتح الآن باب الفرص التاريخية للمنطقة، من خلال حل الأزمات العالقة منذ زمن طويل، وتحول العداوات القديمة إلى علاقات تعاون، وإعادة تشكيل الصدع الجيوسياسي.
لا شك أن رفع العقوبات عن سوريا، وإعادة الهيكلة السياسية في لبنان والعراق، يمهدان الطريق لتشكيل تحالفات جديدة في المنطقة. هذه الرؤية الإقليمية الجديدة التي تقودها تركيا تهدف إلى إعادة بناء العقل الجمعي والتضامن العربي الذي افتقدته المنطقة طويلاً، كما أن هذه العملية تتماشى مع إرادة تركيا في أن تكون أكثر تأثيراً على المستوى العالمي في القرن الحادي والعشرين.
في سياق مكافحة الإرهاب، يُعد إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) إنهاء الكفاح المسلح، وحل بنيته التنظيمية في قنديل، مكسباً ليس فقط على مستوى الأمن، بل أيضاً على المستوى الاجتماعي السياسي لجمهورية تركيا. فانتهاء وجود هذا التنظيم الذي تأسس رسمياً في ليجه عام 1978 بعد وضع أسسه في أنقرة عام 1973، يُنذر بعهد جديد للأتراك والأكراد وشعوب المنطقة. وسيعزز هذا التطور السلام الداخلي في تركيا، ويفتح الباب لحل القضية الكردية في المنطقة بوسائل غير عسكرية. وفي هذا الصدد، قال الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريح لافت: «نسير بخطى واثقة نحو هدفنا المتمثل في «تركيا خالية من الإرهاب»، بتجاوز العقوبات وتحطيم الأحكام المسبقة وإفشال مؤامرات الفتنة. لقد اجتزنا عتبة حرجة أخرى في هذا المسار».
أصبحت إسطنبول واحدة من مراكز الحركة الدبلوماسية في المنطقة، فالقمم الحاسمة التي ستُعقد تباعاً هذا الأسبوع تُظهر الدور المتعاظم لتركيا على الساحة الدبلوماسية الدولية. فبينما تُعقد محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول الخميس (اليوم)، ستُجرى المفاوضات النووية بين إيران والدول الأوروبية في المدينة نفسها يوم الجمعة، هذه الكثافة الدبلوماسية تؤكد أن تركيا ليست قوة إقليمية فحسب، بل وسيطاً عالمياً أيضاً. إن اللقاء الذي عقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس السوري أحمد الشرع، بمشاركة الرئيس أردوغان عبر اتصال مرئي، يُشير إلى ولادة هيكلة استراتيجية جديدة في العالم العربي.. كما أن دعم السعودية لرفع العقوبات عن سوريا يُعد خطوة ملموسة لإعادة بناء التضامن العربي.
وأن وصف ترامب للفترة الممتدة من أحداث 11 سبتمبر إلى تنظيم داعش بأنها «كارثة سياسات الأنظمة الأمريكية القديمة والمحافظين الجدد»، يُشير إلى تحول جذري في السياسة الخارجية الأمريكية، ويوحي موقفه الذي يعزل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو دون التخلي الكامل عن إسرائيل، بأنه يستهدف تغييراً في القيادة في تل أبيب. لكن المسار المقبل هو الذي سيحدد طبيعة التحولات التي ستؤدي إليها هذه المقاربة.
اليوم، يمكن تشكيل تحالف إقليمي قوي يشمل مصر إلى جانب تركيا وقطر والكويت وعُمان والسعودية، لإعادة إعمار مناطق الأزمات مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن وغزة. وعلى المدى البعيد، فإن إشراك إيران التي قبلت بالانسجام مع شعوب المنطقة، قد يُفضي إلى تقييد السياسات العدوانية لإسرائيل في المنطقة، وإلى ظهور ثقل دبلوماسي أكثر فعالية في القضية الفلسطينية.
ختاماً، من المؤكد أن الشرق الأوسط يشهد تشكلاً جيوسياسياً جديداً. ونجاح هذا التحول رهن بإظهار دول المنطقة لإرادة مشتركة، وتنفيذ سياسات تعطي الأولوية لرفاهية شعوبها. فالتاريخ يمنح شعوب المنطقة مرة أخرى فرصة لتقرير مصيرها. إن استغلال هذه الفرصة لن يُحدد مصير الحاضر فحسب، بل ومصير الأجيال القادمة أيضاً.
كاتب تركي