اخبار الاردن
موقع كل يوم -بي بي سي عربي
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
شهدت منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة تحولات سياسية ودبلوماسية بالغة الأهمية، كان أبرزها توقيع ما عُرف بـ 'الاتفاقيات الإبراهيمية'، وهي اتفاقيات أُبرمت بين عدد من الدول العربية وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن هذه الاتفاقيات أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والثقافية والدينية، ففي حين يراها البعض فرصة لتعزيز الاستقرار والتعاون الاقتصادي في المنطقة، يعتبرها آخرون تناقضاً للمواقف التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتطبيعاً غير مشروط مع إسرائيل.
ظل الصراع العربي الإسرائيلي، منذ عام 1948، أحد أبرز التحديات في منطقة الشرق الأوسط، متخذاً أشكالاً متعددة، كان من بينها حروب دامية ومفاوضات معقّدة ومبادرات دبلوماسية متعثّرة، لكن عام 2020 شكّل منعطفاً حاسماً في مسار هذه العلاقة، بعد أن أُعلن عن توقيع 'الاتفاقيات الإبراهيمية' بين إسرائيل ودول عربية، في خطوة وُصفت بأنها تغيير جذري في خريطة التحالفات والمصالح الإقليمية.
وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية، مثل مصر (عام 1978) والأردن (عام 1994)، سبقت تلك الخطوة بتوقيع معاهدات سلام مع إسرائيل في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، جاءت 'الاتفاقيات الإبراهيمية' مختلفة من حيث أنها لم تُبرم نتيجة حرب مع إسرائيل، بل جاءت في إطار 'تفاهمات سياسية' اتسمت بطابع استراتيجي.
وسميت 'الاتفاقيات الإبراهيمية'، التي تعرف أيضاً باتفاقيات إبراهيم (أو أبراهام)، بهذا الاسم نسبة إلى النبي إبراهيم الذي تنتسب إليه الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، وهي تسمية اختيرت لتضفي طابعاً من الشراكة، على أساس ديني، بين إسرائيل والعرب، أو بمعنى آخر بين اليهود والمسلمين.
الأكثر قراءة نهاية
ما هي بنود إعلان الاتفاقات الإبراهيمية؟
'ثمار الاتفاقيات الإبراهيمية'
تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي على واتساب.
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
ويلفت المعهد إلى أن هذه الاتفاقيات 'تمهّد الطريق لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وتفتح آفاقاً لمستقبل قائم على السلام والتسامح وتكافؤ الفرص في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره'.
كما يرى أنها تمثل 'بداية فصل إقليمي جديد يتأسس على رؤية جماعية للرفاهية الاقتصادية، وأنه كلما توطدت العلاقات التجارية، تعززت متانة الروابط بين الشعوب والدول'.
وتُعد الاتفاقيات الإبراهيمية، بحسب تعريف المعهد، ركيزة لـ 'عملية سلام حقيقية في الشرق الأوسط، لما تُبرزه من فوائد ملموسة للعلاقات الإنسانية، والتبادل التجاري، والتعاون المشترك. إنها مبادرة تغتنم فرصة تاريخية لإطلاق طاقات المنطقة الكامنة، وتعزيز أمن الولايات المتحدة، ومساعدة الشرق الأوسط على تجاوز عقودٍ من النزاعات نحو مرحلة جديدة من التعاون المتعدد الأطراف'.
ويرى المعهد أن الاتفاقيات الإبراهيمية تحمل فرصاً غير محدودة، قد تسهم في توفير ما يصل إلى أربعة ملايين فرصة عمل جديدة، وتحفيز نشاط اقتصادي يُقدّر بتريليون دولار خلال العقد المقبل.
ومما لاشك فيه أن إبرام الاتفاقيات الإبراهيمية أخرج العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية إلى العلن، وأعاد رسم معالم الصراع العربي الإسرائيلي، وكان التوقيع على أولى تلك الاتفاقيات في 15 سبتمبر/أيلول عام 2020، بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، برعاية الولايات المتحدة مباشرة ودعم من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتلحق بهما السودان والمغرب بعد ذلك.
وبحُجة وقف مخطط إسرائيل لضم مناطق من الضفة الغربية في يوليو/تموز 2020، خاضت الإمارات مفاوضات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وجاء الإعلان عن الاتفاق في أغسطس/آب، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة بيع 50 طائرة مقاتلة من طراز 'إف-35' للإمارات.
في ذات الوقت سارعت دولة خليجية أخرى إلى اللحاق بركب التطبيع، لا سيما الإعلان عن اتفاق آخر بين إسرائيل والبحرين، ولم تمض أيام حتى انضمّت البحرين إلى ممثلي الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة في حفل توقيع أُقيم في البيت الأبيض برعاية ترامب.
واستطاعت الولايات المتحدة، خلال الأشهر التالية، التوصل إلى إبرام اتفاقيات أخرى مع المغرب والسودان لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2020، جرى الإعلان المشترك بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، وأصبحت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وفي نفس الشهر رفعت الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفي يناير/كانون الثاني عام 2021، وقّع السودان على إعلان 'الاتفاقيات الإبراهيمية'، واستمرت المفاوضات بشأن اتفاق ثنائي بين إسرائيل والسودان سنوات بعدها.
كما شهدت السنوات التي تلت الاتفاقيات، إبرام الأطراف الموقعة سلسلة من الاتفاقات التجارية، كان أبرزها اتفاقيات أُبرمت بين إسرائيل والإمارات، أثمرت عن حجم تجاري بينهما تجاوز نصف مليار دولار في السنة الأولى من تطبيع العلاقات.
وعلى الرغم من تراجع نسبة التأييد العام للاتفاقيات الإبراهيمية في السنوات التالية، لاسيما في أعقاب الدمار الذي شهدته غزة بعد اندلاع حرب إسرائيل وحماس في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، الأمر الذي أدى إلى تراجع إقناع دول أخرى بالتوقيع عليها، ظلت الاتفاقيات الإبراهيمية قائمة في حد ذاتها.
'أبعاد استراتيجية'
توجد أسباب استراتيجية أخرى وراء إبرام 'الاتفاقيات الإبراهيمية' بين دول عربية وإسرائيل في هذا التوقيت، أبرزها أن هذه الاتفاقيات تسهم في دعم طموحات الإمارات، على سبيل المثال، وتساعدها في بناء نفسها كقوة عسكرية، إضافةً إلى كونها مركزاً للأعمال التجارية ووجهة سياحية مرموقة، بحسب جيرمي بوين، محرر بي بي سي لشؤون الشرق الأوسط.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد ساعدت من جانبها في إبرام الاتفاقيات من خلال تعهدها بتزويد الإمارات بأسلحة متقدمة كانت في السابق بعيدة عن متناولها، من بينها طائرات 'إف-35' الشبحية، وطائرة الحرب الإلكترونية 'إي إيه-18جي غراولر'.
في ذات الوقت تدعم إسرائيل والولايات المتحدة الجانبين الإمارتي والبحريني في شكوكهما تجاه إيران، إذ كانت طهران تدّعي حتى عام 1969 أن البحرين، على سبيل المثال، جزء لا يتجزأ من أراضيها، ويرى حكّام البحرين السنّة أن بعض الفئات من الأغلبية الشيعية القلقة في البلاد تمثل احتمالاً قائماً لوجود طابور خامس موالٍ لإيران.
كما تسهم الاتفاقيات أيضاً في تخفيف عزلة إسرائيل الإقليمية، إذ يُعد تطبيع العلاقات مع دول عربية بمثابة إنجاز حقيقي، لاسيما وأن رئيس الوزراء اسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتبنى استراتيجية عُرفت منذ عشرينيات القرن الماضي باسم 'الجدار الحديدي' بين إسرائيل والعرب، وهي استراتيجية تقوم على فكرة أن تفوّق إسرائيل العسكري 'سيُجبر العرب في نهاية المطاف على الاعتراف بوجودها كأمر واقع لا مفر منه'.
وأيضاً تساعد الاتفاقيات في تعزيز التحالف في المنطقة ضد إيران، وهو ما يعد مكسباً آخر لإسرائيل، كما يُعلّق الإسرائيليون آمالاً كبيرة على 'الاتفاقيات الإبراهيمية' في توطيد علاقاتهم المستقبلية مع دول الخليج البعيدة جغرافياً عن بؤرة الصراع في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومما لاشك فيه أن 'الاتفاقيات الإبراهيمية' تعد تحولاً بارزاً في تاريخ العلاقات العربية-الإسرائيلية، فتحت باباً أمام تحالفات غير تقليدية في المنطقة، تنطلق من اعتبارات المصالح الاقتصادية والأمنية، وتتجاوز إلى حدٍّ كبير الاعتبارات الأيديولوجية والتاريخية.
وبينما يرى البعض 'الاتفاقيات الإبراهيمية' فرصة للسلام والتنمية، كما هو معلن رسمياً، يظل مصيرها مرهوناً بمدى قدرتها على التأثير الحقيقي في حل القضايا العالقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تظل جوهر الصراع في الشرق الأوسط.