على حافة الزلزال النقدي

هل نحن على أعتاب زلزال نقدي جديد يعادل صدمة نيكسون عام 1971؟ تتصاعد المؤشرات في واشنطن حول إمكانية إلغاء الدولار الورقي واستبداله بعملة رقمية سيادية، خطوة تُسوَّق على أنها تحديث تقني، لكنها في حقيقتها قد تكون أخطر محاولة أمريكية للتخلص من جبل الديون والعجز المالي وإعادة رسم النظام النقدي العالمي وفق معايير جديدة.

من الذهب إلى الورق… والآن إلى الرقمي

في 15 أغسطس 1971، ألغى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب، ما منح واشنطن حرية غير مسبوقة في طباعة الأموال وتمويل عجزها. ومنذ ذلك الحين أصبح الدولار عملة الاحتياط العالمية بلا منازع.

اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه. هذه المرة ليس عبر فك ارتباط الذهب، بل عبر إلغاء الدولار الورقي نفسه وفرض نسخة رقمية يمكن التحكم بها بالكامل.

دوافع واشنطن للتحول الرقمي

التخلص من الدين: تجاوز الدين الأمريكي 35 تريليون دولار، والدولار الرقمي قد يسمح بإعادة هيكلة هذه الأعباء بطريقة غير مباشرة.

الرقابة والسيطرة: العملة الرقمية تمنح الحكومة الأمريكية قدرة كاملة على مراقبة المعاملات المالية وفرض شروطها على الدول والشركات.

مواجهة المنافسين: في ظل صعود اليوان الرقمي ومشتريات الصين وروسيا الضخمة من الذهب، ترى واشنطن أن الوقت قد حان لإطلاق 'دولار المستقبل'.

تداعيات على الاقتصاد العالمي

• التجارة الدولية: ارتفاع تكاليف الامتثال والرقابة، مما يبطئ حركة رأس المال ويضعف مرونة الأسواق.

• الديون الدولية: إعادة تسعير الديون المقومة بالدولار قد تفرض شروطاً أمريكية جديدة، مما يزيد الضغط على الدول النامية.

• السيادة النقدية: تقلص استقلالية البنوك المركزية أمام نفوذ الدولار الرقمي الأمريكي.

السيناريوهات المستقبلية المتوقعة

الهيمنة الرقمية الأمريكية

تنجح الولايات المتحدة في فرض الدولار الرقمي كعملة عالمية، فتستعيد زمام المبادرة الاقتصادية، لكن على حساب الدول النامية التي تتحمل تبعية مالية أكبر.

حرب عملات باردة

ترد الصين وروسيا ومعهما مجموعة بريكس بإطلاق نظام بديل يعتمد على الذهب واليوان الرقمي، ما يقود إلى انقسام النظام المالي العالمي، وتصاعد التوتر السياسي والاقتصادي.

نظام متعدد العملات

يفشل أي طرف في فرض الهيمنة المطلقة، فينشأ نظام نقدي متعدد الأقطاب: الدولار الرقمي، اليوان الرقمي، اليورو الرقمي، والذهب كملاذ محايد.

الفوضى المالية العالمية

يحدث انتقال سريع وفوضوي، ما يؤدي إلى انهيار الثقة بالدولار، وهروب جماعي إلى الذهب والعملات الرقمية الأخرى، مع موجة تضخم عالمي واضطرابات مالية واسعة.

دلائل من الواقع

• الصين والسعودية بدأت تسويات نفطية باليوان، بينما تتعامل روسيا والهند بالروبل والدرهم بعيداً عن الدولار.

• البنوك المركزية، وعلى رأسها الصين وروسيا، كثّفت مشترياتها من الذهب كتحصين ضد أي تغييرات مفاجئة.

• واشنطن تناقش مشروع 'الدولار الرقمي'، فيما أطلق الاتحاد الأوروبي والصين تجارب فعلية لعملاتهم الرقمية السيادية.

• ظهور أنظمة دفع بديلة مثل CIPS وSPFS لتقليل الاعتماد على 'سويفت' الخاضع للهيمنة الأمريكية.

الخلاصة

إذا كانت صدمة نيكسون الأولى قد ألغت ارتباط الدولار بالذهب وأطلقت عصر هيمنة الدولار الورقي، فإن الصدمة الرقمية القادمة قد تكون صدمة العصر الجديد، إلغاء الورقي وفرض الدولار الرقمي.

هذه الخطوة قد تمنح واشنطن قوة مؤقتة للتخلص من ديونها، لكنها قد تفتح الباب أمام حرب عملات باردة، أو نظام متعدد العملات، أو فوضى مالية عالمية.

المؤكد أن النظام النقدي الذي حكم العالم لنصف قرن يقترب من نهايته، وأن العالم على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع على مفاتيح النقود.