اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة الحقيقة الدولية الاخبارية
نشر بتاريخ: ٢٨ نيسان ٢٠٢٥
بقلم: م. بسام ابو النصر
إن الوقوف في منتصف المسافة ليس تذبذبًا ولا نفاقًا، بل هو موقف حكيم وواقعي يعكس الوعي الكامل بأهمية التوازن في المعادلات السياسية. فالاعتدال ليس ضعفًا أو تراجعًا، كما أن الوسطية ليست مجرد محاولة لإرضاء جميع الأطراف في سياقات قد تكون متناقضة أو غير قابلة للتوافق. في المعادلات السياسة مخطئون وخطاؤون، ومصلحون وصالحون، علينا أن نختار بينهم بحكمة، فتقييم الأمور لا يتم عبر النظر إلى الكل من خلال خطأ واحد فقط، إلا إذا ثبت العكس في الحالات الاستثنائية.
إن ديدننا في الحكم الرشيد هو التمييز بين الغث والسمين، فالتقدير السليم لا يكون إلا من خلال معيار العدالة، التي لا تحابي أحدًا. كما أن القائد مسؤول عن توجيه مسار الأمور، وفي حال غياب القيادة الرشيدة، تزداد الفوضى ويقع البلد في هوة عميقة لا ينجو منها أحد. عندما يتحمل القائد المسؤولية، فإن دوره لا يقتصر فقط على القيادة بل على توجيه الشعب نحو الأمان والاستقرار.
في كل الأوقات، نحتاج إلى القيادة التي تنقذ البلاد والعباد من الوقوع في الفوضى. وضمن هذا السياق، يجب أن نعي أن الدولة هي الكيان الذي يجمعنا جميعًا، من مؤسسات وأفراد ومنظمات مجتمع مدني، ويجب أن تظل دائمًا فوق أي اعتبارات فئوية أو طائفية.
لا يجوز لأي جماعة مهما كانت قوتها أو شعبيتها أن تعتقد أن الشرعية تأتي فقط من خلال صناديق الاقتراع. نعم، الانتخابات قد تكون خطوة مهمة، ولكنها ليست العامل الوحيد الذي يحدد بقاء النظام واستقراره. فقد رأينا في تجارب عديدة، مثل الجزائر وإيران والعراق وحتى الولايات المتحدة، كيف أن انتخاب رئيس قد يطيح بالنظام السياسي والاقتصادي، رغم شفافية العملية الانتخابية.
إن المغالطات التي تنشأ أحيانًا نتيجة قناعات مغلوطة تؤدي إلى نتائج قد تكون كارثية. وما نرجوه اليوم هو أن تتغير هذه القناعات، وأن تتنبه الأمة إلى أن الحلول الوسطية والمعتدلة هي الأساس، بدلاً من الاستجابة للأطروحات المتطرفة أو التكتلات التي تسعى لتحقيق أجندات شخصية أو قومية تتناقض مع القيم الدينية والوطنية التي يؤمن بها مجتمعنا.
إن وطننا يتعرض هذه الأيام إلى حملة شرسة من العديد من الأطراف، سواء من داخل الوطن أو من خارجه، والأعداء في جميع الاتجاهات يتربصون بنا. ونحن نعلم أن أكثر ما يثير هؤلاء هو خطاب العقلانية والوسطية التي تتبناها القيادة الهاشمية ، والدبلوماسية الأردنية عبر وزارة الخارجية وسفاراتنا المنتشرة في مختلف أنحاء العالم. وإسرائيل تعمل جاهدة وكل من يقف وراءها ان يغيب خطاب العقل لدى بلدنا ، وان تعطي صورة ضبابية لدى العالم المتحضر ان لدينا صراع ديني داخلي ، ورغبة في انهاء الوجود اليهودي من المنطقة ، بل وأحيانًا تصبغ كل ما يحدث في المنطقة بمظلة التطرف، في محاولة لتقويض المقاومة لاسترجاع الحق العربي في فلسطين وتهديد العالم بأن التطرف يطال اليهود كديانة.
ولكن الحقيقة المرة هي أن أكثر الدول إرهابًا في العالم، وأكثر الجماعات التي تمارس الإرهاب ضد أرضنا وشعبنا في فلسطين، هي إسرائيل. ومع ذلك، علينا أن نتحلى بالحكمة وأن نكون أكثر قدرة على مواجهة هذا التحدي بكفاءة، مع ضمان أن يقف العالم إلى جانبنا في قضايانا العادلة. لا يمكننا أن نغض الطرف عن أي تهديد، ولكن علينا أن نكون حذرين في اختيار الأسلوب الأمثل في مواجهته .
من غير المعقول أن تنطلق صواريخ من بلدنا في أي اتجاه، ما دام الزناد في يد غير الدولة. كما لا يجوز للدولة أن تفتح معركة ونحن نعلم يقينًا أن إسرائيل تتفوق علينا في السلاح، ومعها دول أخرى متفوقة. هذا سيعطي الفرصة للمستوطنين الصهاينة لكي يستبيحوا أرضنا، بينما نحن نصر على حماية أرضنا بعقلانية، لا بمعاول الهدم .
أخيرًا، نسأل الله أن يحفظ وطننا وقيادتنا، وأن يبعد عنا كل فصيل يعمل في الخفاء لتحقيق مصالح ضيقة. إن الطريق إلى العدل لا يكون عبر التقسيمات الصغيرة أو المصالح الضيقة، بل عبر التماسك الوطني والالتزام بالمبادئ التي تحفظ استقرار البلاد وتحقق العدالة لجميع المواطنين.