اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٩ تموز ٢٠٢٥
لو قدر لجامعات العالم أن تفتح تخصصات جديدة من المؤكد أنها ستدعم أقسام الإعلام التقليدية بأقسام مكافحة التضليل، والتضليل لا كأيديولوجيا وأنساق الأفكار المنغلقة والموجهة، التي لا تزال خطاباتها تحرك دفة التاريخ، وتعبث بالمغرب الكبير بل كمعلومات موجهة من شأنها التأثير المباشر على سير اليومي.
رغم التقهقر الواضح في مؤشرات القطاع عالميا وإقليميا، ما زال كافيا لمن يريد أن يقدر مكانة تونس السياحية، خصوصا في جوارها المباشر أن يطالع صور طوابير العابرين عند منافذها الحدودية وقت العطل. جزائريون وليبيون يبحثون عن خدمات سياحية محترفة. عكستها صور ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر وليبيا خلال الساعات القليلة الماضية، حيث اصطفت مواكب من الباحثين عن مساحة من الراحة خارج حدودهم، تخيم عليها سحابات شكوك ولا يقين إثر معلومات انتشرت بسرعة وعلى مختلف مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن البلد المضيف قرر أن يستبعد العزاب وشلل الأصدقاء من الإقامة في الفنادق والقرى السياحية.
طبعا الخبر لم يتوقف هنا، بل راح كثر من حراس النوايا يؤكدون منع هؤلاء من عبور الحدود حتى، سيما الإناث اللاتي أصبحن – والعياذ بالله – يسافرن بمفردهن، بلا «محارم»، حسب شيوخ «التيك توك» الجدد. فيديوهات، منشورات، وتعليقات كثيرة عكست موجة من التوتر، بل دفعت البعض حد التفكير في إعادة ترتيب أمور عطلته: أين سنقضي العطلة إذا؟، هل سيعيدوننا عند المعابر فعلا؟ هل من مؤكد لهذه الأخبار؟ لكن لماذا تغلقون الحدود في وجهنا؟ وغيرها عبارات عنونت فيديوهات وشكلت مادة للتعليقات لدى فئات واسعة من الجزائريين والليبيين الذين بدوا متأثرين بالخبر.
الحقيقة أن مجموعة من نواب البرلمان التونسي كانوا قد تقدموا منذ أيام بمقترح قانون لمنع وتجريم السباحة خارج المسابح والشواطئ المرخصة، بالإضافة إلى تجريم ذوي القصر، ممن تقل أعمارهم عن الخمس عشرة سنة المتواجدين في الشواطئ وحدهم، ضمانا للسلامة ودرءا للأخطار التي تتجشمها الدولة وذوو الضحايا كل سنة.
المشروع أثار نقاشا واسعا خصوصا مع انطلاق موسم الاصطياف، والذي يعول عليه التونسيون على اختلاف انتماءاتهم لتحقيق انتعاش اقتصادي، ولو قصير، يفتح أبواب الرزق للكثير من الفئات، على رأسهم اليافعون الباحثون عن مصدر دخل، لتحسين ظروفهم ومساعدة عائلاتهم، والذين قد يتأثرون بمثل هذه القوانين. قد يكون مشروع القانون من وقف خلف انتشار خبر منع فئات واسعة من السياح من دخول البلاد، الذي أثارت غرابته لدى أقدر رواد المواقع الاجتماعية على التمحيص موجة سخرية: «تريدون الذهاب لتونس؟ تزوجوا». كما الكثير من الاستياء: «من يريد ضرب السياحة في البلد، الذي كان رائدا حتى وقت قريب؟»، وهناك مزيج بين الاثنين مع بهارات عنصرية: «على الأقل سنكتفي بسياح من منابع أرقى»!
أزمة أفارقة في المغرب
عكس تونس يحتفي المغاربة بالمراكز المتقدمة التي تحصدها بلادهم في ترتيب الوجهات السياحية العالمية، إذ تمكنت خلال الأشهر القليلة الماضية من استقبال عدد غير مسبوق من السياح، ما يساعد البلاد على تطوير صورة طيبة، يفتح آفاقا للاقتصاد، ويدفع أهل المملكة الشريفة لشيء من الفخر. فخر يصطدم منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي بحملة كراهية واسعة، وما يبدو خطابا متناقضا، ضد «الأفارقة» تحديدا.
تصب الحسابات السياسية في مصب، في حين تصب الحسابات الشعبية والافتراضية منها في مجرى آخر على ما يبدو، إذ صادف حملة العداء العنصري المستجدة في البلاد، قرار ثنائي بين المغرب ودولة غانا بإلغاء التأشيرة بين المسافرين من البلدين بحر الشهر الماضي، إن لم يكن المتسبب الرئيسي بها.
تهم «الاستبدال الكبير»، جاءت كفرصة ذهبية مواتية لتصفية حسابات طالت، هكذا على الأقل بدا التفاعل مع القرار الجديد. إذ ضجت صفحات مغربية خلال الأيام الأخيرة بأخبار الانتشار الرهيب لذوي البشرة السوداء في البلاد، في الكثير من المدن الكبرى للمملكة، سيما الدار البيضاء، لم يتوقف التنديد هنا، بل جعل كثيرا من الفضاءات الافتراضية مكانا للتنفيس عن غضب روادها ضد ما اعتبروه فرص التوطين المتاحة لهؤلاء، الذين يسعون حسبهم لتعويض المغاربة وتقاسم الأرض معهم، من خلال موجات الزواج من مواطني البلد، بالإضافة إلى سعي كثر استيفاء شروط الحصول على الجنسية.
قلق الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي جعلهم يستعيرون قاموس اليمين الأبيض المتطرف على ما يبدو، مع كل ما للبيض من مزايا في البلد التي يدخلونها غالبا ببطاقة تعريف يتيمة، بل يكفل لهم القانون حق التملك في المملكة. دفع الأمر أطيافا واسعة من المغاربة لشن حملات مضادة، منشورات كثيرة، وتعليقات جمة شاجبة ومنددة بما ذهب إليه مواطنوهم: «تقولون أفارقة، من أي قارة أنتم»؟ علق البعض غاضبين.
« لا يريدون شيئا منكم، لسنا غير منطقة عبور». «يفعلون ما تفعلون حين تصلون كحراقة (مهاجرين غير شرعيين) إلى الضفة الأخرى». «إنهم بشر مثلنا». وغيرها من التعليقات التي تحول فيها القرار الدبلوماسي إلى مادة للخناق الأفقي بين أطياف متنوعة من المجتمع المغربي، الذي تعصف به الكثير من الأخبار المتضاربة، ولم يكف الامتداد الإفريقي والدور الذي تريد أن تلعبه المملكة الشريفة في القارة لتبريره،وقد أكد كثر أن الاعتراف بمغربية الصحراء من «ساحل الذهب» أمرا كافيا لاتخاذ هكذا قرار.
كاتبة من الجزائر