اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
رم - أ.د. علي حياصات
في الأردن، لم تعد المشكلة في عدد القوانين ولا في كثرة المؤسسات، بل في غياب 'رجل الدولة' الحقيقي. كثير من الأسماء التي تتصدر المشهد، من رؤساء وزراء !!! ووزراء ونواب وأعيان ووجهاء، انحصر دورهم في الجاهات والصلحات والعطوات. بينما الدور السياسي الوطني، القادر على ترك أثر وبناء مشروع سياسي مجتمعي عام، يكاد يكون غائبًا.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان المشهد مختلفًا. برزت قيادات تركت أثرًا سياسيًا واجتماعيًا ما زال حاضرًا ! نواب كانوا ندا وشركاء بنفس الوقت (من اجل الوطن) للحكومات، وأحزاب صاغت بيانات وبرامج وفّعل ميداني تُعبّرعن تطلعات الشارع، وشخصيات عشائرية لعبت دورًا وطنيًا يتجاوز منطق العطوة او الجاهة إلى الدفاع عن استقلال القرار الوطني. تلك المرحلة أفرزت قيادات مجتمعية حقيقية، وظلت أسماؤها جزءًا من الذاكرة السياسية الأردنية.
لكن مع العقود اللاحقة، أخذت الدولة تُدخل بعض الأشخاص والاتجاهات إلى البنية الرسمية ! اشخاص محسوبون على المعارضة جرى استيعابهم، شخصيات حزبية معارضة انخرطت في المناصب، ونواب تماهوا مع الحكومات أكثر مما واجهوها. هذا صحيح ساعد على ضبط التوازن السياسي الامني لفترة زمنية، لكنه أضعف تدريجيًا قدرة المجتمع على إنتاج قياداته الطبيعية.
ومع بداية هذا القرن، تعمّق التحول أكثر! برلمانات صارت أقرب إلى واجهات شكلية، حكومات وظيفية تنفيذية ، وأسماء تختفي من المشهد بمجرد خروجها من المنصب. لم نعد نرى 'رجل دولة' بمشروع مستمر، بل إداري مؤقت يتعامل مع الملفات كروتين كرتوني يومي.
هذا الواقع ترك فجوة واضحة! مؤسسات قائمة، لكن وظيفتها السياسية غائبة. نخب موجودة، لكن حضورها يقتصر على مناسبات اجتماعية (من طلب العروس ومن اعطاها). يكفي أن ننظر إلى الوزراء بعد خروجهم من المناصب، لندرك أن الوظيفة السياسية تحولت إلى 'وظيفة إجتماعية بلا قيمة فكرية او سياسية'. الأسوأ أن بعض هذه النخب بات يُعرف أكثر بحضوره في الجاهات والصلحات، لا بمواقفه في عمق الدولة أو أثره في السياسات العامة.
الخروج من هذه الدائرة لن يكون بإعادة تدوير الأسماء. المطلوب إعادة الاعتبار لوظيفة الدولة السياسية! حياة حزبية فعلية تفتح المجال أمام قيادات تحمل برامج واضحة لا مجرد جاهات او عطوات، برلمان يستعيد دوره كسلطة رقابية وتشريعية حقيقية، شباب يُمكَّنون من المشاركة في القرار بدل الاكتفاء بأن يكونوا ديكورًا في أنشطة رمزية او تصويرهم في قاعة مجلس ألامة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وربط المناصب بالكفاءة لا بالوجاهة الاجتماعية. عندها فقط يمكن للنخب أن تتحول من أدوات مناسبات اجتماعية إلى رجال دولة، وأن تستعيد المؤسسات معناها، وتعود الدولة إلى دورها الطبيعي كإطار جامع قادر على إدارة الحاضر وصناعة المستقبل.