اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٤ أب ٢٠٢٥
التعليم الأردني.. أسئلة مشروعة لإصلاح نظام يواجه أعمق أزماته! #عاجل
كتب د. محمد أبو غزله *
لقد كان النظام التعليمي في الأردن لعقود مضت منارة تعليمية دولية أسهمت في تطوير وبناء الكثير من الأنظمة التعليمية في دول عديدة، نظرا للمكانة المتميزة التي كان يتمتع بها، ولكن بعد تراجع أدائه في السنوات الأخيرة، فقد مكانته التي كان يحظى بها على الرغم من الدعم الملكي المستمر والتوجيهات الملكية المتواصلة للحكومات المتعاقبة للنهوض بمستوى التعليم باعتباره ركيزة أساسية لبناء الإنسان الأردني الذي هو رأس المال البشري للتنمية في الأردن.
وعلى الرغم من استمرار التوجيه والدعم وإعداد الاستراتيجيات الوطنية مثل الاستراتيجية الوطنية لتطوير الموارد البشرية 2016-2025، والورقة الملكية النقاشية السابعة 2017 التي رسمت خارطة الطريق لتطوير التعليم، والمؤتمرات والندوات التي عقدت، وأيضا ما تضمنته الرؤية الاقتصادية 2023 في محور الريادة والإبداع من مشاريع ومبادرات تم دعمها محليا ودوليا لتطوير التعليم، إلا أن ذلك لم ينعكس على استعادة النظام لمكانته السابقة، فقد بقيت الاستراتيجيات والخطط في إطار الوعود، وأصبح النظام التعليمي يواجه أسوأ تراجع في تاريخه، وهو ما أكدته المؤشرات والتقارير الدولية حيث جاءت الأردن في ذيل الدول في مؤشرات نتائج المؤشرات المشاركات الدولية، إضافة إلى وصول نسبة فقر التعليم إلى (52.5%) في عام 2023، و ووفق تصريحات سابقة لوزير التربية والتعليم بأنها ستصل إلى (60%) مع نهاية 2024، ولا أحد يعلم كم بلغت الآن ونحن على نهاية عام 2025، وماذا اعددنا للحد من ذلك؟
لقد سمعنا وشاهدنا الكثير من التصريحات من الوزراء المتعاقبين، وشهدنا الكثير من القرارات المفاجئة وغير المدروسة حول تطوير البنى التحتية والرقمية، ورفع مستوى أداء المعلمين وتمكينهم من استراتيجيات التخطيط والتدريس والتقييم، ومنحهم الترقيات والرتب بأعداد كبيرة، وتطوير المناهج والكتب المدرسية، وتحديث نظام الامتحانات والتقييم، ومنح الشهادات في القيادة التعليمية. كما شهدنا ارتفاعا في علامات الطلبة في المدارس وامتحانات الثانوية العامة، إلا أن هذه التصريحات والمؤشرات جميعا لم تنعكس على السمعة الحقيقية للنظام التعليمي، ولا على مشاركات الأردن الدولية، ولا حتى على أداء الطلبة بعد التحاقهم بالجامعات التي لم تكن بأفضل حال، بل انعكس ذلك سلبا على سمعة القطاعين العام والعالي في الأردن.
لا أحد ينكر أن هناك جهودا بذلت من بعض الوزراء، خاصة خلال جائحة كورونا التي أدت إلى استمرار التعليم رغم قلة الإمكانات لكن استمرار الجائحة، وعدم تنفيذ الخطط الموضوعة لمعالجة الفقد والفقر التعليمي، عمق من جراح هذا النظام ، ولعل من أبرز معوقات تطويره التغيير المستمر لوزراء التربية والتعليم، والذي يؤدي إلى تغيير النهج والخطط، بل والانكفاء على الذات، ورفض الاستجابة للتغذية الراجعة والأفكار التطويرية المطروحة، وإصرار كل وزير على تنفيذ خطط جديدة غير مبنية على احتياجات حقيقية، بل على رغبات ذاتية أو بهدف إلغاء ما أنجزه سلفه، وهكذا يأتي كل وزير برؤية وخطة جديدة، مصحوبة بخطط إعلامية ضخمة بعيدة عن الواقع واحتياجات الميدان التربوي.
من هنا يبرز السؤال الكبير الذي يطرحه التربويون والمختصون: كيف يمكن استعادة مكانة النظام التعليمي وعافيته في الأردن؟ كما تبرز عدد من الأسئلة مها: هل يمكن للوزير بعد إعادة تكليفه بصفته صانع القرار أن يفتح المجال لمساعديه والمعنيين في الوزارة والميدان التربوي والمهتمين بالتعليم وهم الأقرب فنيا وتربويا، للتعبير عن آرائهم وطرح أفكارهم ومبادراتهم وتنفيذها؟ وهل يمكنه الاستماع والإصغاء بجدية لهذه الأفكار والمطالبات التي تطرح وترجمتها على أرض الواقع وليسجل بذلك أكبر انجاز له ؟، وهل يمكن للوزير الأكاديمي أن يرسخ في الوزارة اتباع المنهجية العلمية لإصدار القرارات لضمان الابتعاد عن القرارات المفاجئة لضمان ملاءمتها وتفادي أضرارها وردود الفعل حولها وخاصة انه يتأثر بها كل بيت في المجتمع الأردني؟ وهل يمكن للوزير وضع الرؤى والإشراف بنفسه على تنفيذ الخطط لمعالجة المشكلات المزمنة، مثل المدارس المستأجرة أو مدارس الفترتين، وظاهرة الاكتظاظ في الصفوف، وضعف الأداء التدريسي من قبل المعلمين والالتزام الوظيفي من المستويات كافة، وتحسين البيئة التعليمية والمرافق والمختبرات الفقيرة؟
وهل يمكن الاشراف على ضع الخطط لمتابعة تنفيذ المناهج والكتب التي تم تطويرها وإضافة مهارات ومعارف حديثة إليها، لكنها لم تؤدي إلى تحسين جودة التعليم أو مخرجاته؟ وهل يمكن معالجة التراجع في أداء الطلبة في الاختبارات الدولية: اختبار بيزا(PISA 2022)، ووضع خطط جادة للتحضير لاختبار تيمز(TIMSS 2025)، ؟، وهل يمكن وضع الحلول لتدريب الموظفين والمعلمين الذي لم يحدث أثرا ملموسا على جودة التدريس، رغم الترقيات الوظيفية والمهنية إلى رتب مدراء وقادة ورتبة خبراء؟
وهل يمكن تفعيل مشاريع التعليم المهني، مثل مشروع 'بيتك'، الذي يحمل فكرة مهمة، لكنه بقي حبيس التدريس النظري بسبب ضعف أداء ومهارات المعلمين وغياب التوسع في إنشاء المدارس المهنية وتوفير المختبرات والمشاغل والتجهيزات اللازمة للتطبيق على الرغم من التمويل الدولي للمشروع؟ وهل يمكن التوقف عن التركيز المفرط على الامتحانات والتقييمات دون معالجة جوهر التعليم ومدخلاته وعملياته، وربط التقييمات بالمحتوى المعرفي والمهاري وبقدرات الطلبة وكفاءة المعلمين، وتوفر البيئات التعليمة المناسبة؟
وهل يمكن وضع خطط استباقية لمعالجة مشكلات نظام الثانوية العامة الجديد التي ستنتج عن المسارات وحقول التخصصات الجامعية التي سيتقدم لها الطلبة في العام الجامعي 2026/ 2027؟ وهل يمكن تقييم كفاءة الإدارات التعليمية والمدرسية والأجهزة الإشرافية، ووضع خطط لمعالجة أسباب التراجع في الأداء بعيدا عن التركيز على نتائج الامتحانات فقط؟ وهل يمكن الحد من انشغال المدارس و'الجيش الإلكتروني' بالإعلام والفعاليات الاحتفالية والتصوير والتمجيد والنشر على وسائل التواصل على حساب جودة التعليم الفعلي داخل الصفوف؟
لا شك أن الفجوة بين وزارة التربية والتعليم والميدان التعليمي ما تزال كبيرة، في ظل غياب آليات متابعة فعالة لرصد ما يجري على أرض الواقع، وتعظيم الإنجازات، ومعالجة المشكلات، وتفعيل المساءلة على المقصرين، ومن المهم أيضا ضمان استمرارية السياسات والبرامج الواردة في خطط الوزارة من خلال اعتماد إطار وطني موحد للتعليم، يصدر عبر تشريع رسمي، بحيث تلتزم به جميع الحكومات والوزراء المتعاقبون، مع وضع آليات متابعة سنوية، ووقف نهج 'الخطة الجديدة مع كل وزير'. كما يجب اعتماد التراكمية في الإنجاز، واستمرار العمل مع المركز الوطني للمناهج والجامعات، والتوسع في التعاون مع أكاديمية الملكة رانيا العبد الله لتدريب المعلمين لدورها النوعي في تدريب وتمكين المعلمين والمساعدة في إصلاح شامل لمنظومة تدريب المعلمين، وربط الترقيات والألقاب المهنية (مثل رتبة 'خبير، وقائد ') بمؤشرات انجاز حقيقية وبأداء الطلبة، وليس بعدد الدورات أو الأبحاث التي تقدم وتجاز من نفس الصحن ، كما يجب العمل مع القطاع الخاص لتفعيل التعليم المهني والتقني وتوفير البنية التحتية، والتوسع في استقطاب الطلبة، واستحداث تخصصات جديدة للاستقطاب طلبة جدد ورفع نسبة الالتحاق به .
كما يجب تحسين نظم التقييم والاختبارات لقياس المهارات الحقيقية وليس مجرد الحفظ، وعمل محطات تقييمه للصفوف والمراحل ، واعتماد مؤشرات قياس وطنية لمتابعة تطور الطلبة، وربط الدعم المادي لمديريات التربية والمدارس بالأداء الفعلي و من المهم أيضا الابتعاد عن معالجة أزمة التعليم بمزيد من الخطط الورقية والتصريحات والقرارات المفاجئة، والاعتراف بالمشكلات بدل من الحشد للدفاع وانكارها لا سيما أن لا يوجد شخص على الأرض الأردنية إلا ويعرف أن نظامنا التعليمي يعاني من بعض المشكلات والتراجع ويجب التصدي له ، وعليه فبدون رؤية طويلة الأمد، وإرادة سياسية وتعليمية واضحة، وإصلاحات جذرية، وشراكة حقيقية مع المعنيين والمجتمع والقطاع الخاص، ووضع آليات صارمة للمساءلة، فإن مستقبل التعليم في الأردن سيبقى مهددا ولا أمل حقيقي في استعادة عافية أو نهضته.
* الكاتب خبير تربوي