اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
وطن تائه بين محللين يثرثرون ومسؤولين هبطوا بالبرشوت #عاجل
كتب د. هاني العدوان
ما أكثر المحللين وما أندر الحلول، حتى صار فيه التحليل مهنة من لا مهنة له، بتنا نرى جوقات من المحللين السياسيين والاقتصاديين يملأون الشاشات ضجيجا، ينثرون الكلام كما تنثر الرياح الغبار في الصحراء، يحللون أوضاع الدول البعيدة، يفتشون في شوارع باريس ويهيمون في أزقة واشنطن، يغوصون في أرقام شنغهاي ويهرولون خلف مؤشرات طوكيو، ثم يعودون إلينا يلوكون ذات الأسطوانة المشروخة، القادم أجمل، مؤشرات اقتصادنا نحو الارتفاع المستمر ، عاجلا سيخرج الوطن من عنق الزجاجة، قريبا سنرى الابتسامة على وجه المواطن البائس
لكن المواطن لا يملك ثمن ابتسامة، والشباب غرقوا في وحل البطالة، وأرباب الأسر حائرون
ومع هؤلاء المحللين، يأتينا المسؤولون الذين هبطوا علينا بـ البرشوتات بفعل المحسوبيات والشلليات، لا بالكفاءة ولا بالخبرات، بل للترضيات، وما نال الوطن منهم إلا زيادة في النفقات، رواتبهم الخيالية وتقاعدهم الفلكي على حساب هذا الشعب الكادح، هؤلاء المسؤولون الذين لا يرون الوطن إلا خزنة مفتوحة، ولا يرون المواطن إلا رقما في كشوف الضرائب، يجلسون في مكاتبهم الوثيرة، يوقعون قرارات تقطع أوصال الفقراء، بينما يخططون لمؤتمراتهم وسفرياتهم وامتيازاتهم
إنهم ماهرون في تكديس الملفات الفارغة، خبراء في كتابة التقارير المزخرفة، فقهاء في توزيع المناصب، لكنهم عاجزون عن فهم فاتورة كهرباء مواطن بسيط، أو عن تفسير كيف تحولت الجامعة إلى حلم بعيد، أو كيف صار المواطن يبيع أثاث بيته ليسدد دين دواء
ما زلنا نسمع جعجعة الأحزاب ونرى خواء برامجها، أين تلك البرامج التي لا نسمع صهيلها إلا قبل الانتخابات، أين الرؤى التي لم تخرج من دفاتر الدعاية، أين عرقهم، وأين حبرهم، وأين دماؤهم التي ادعوا مرارا أنهم سيبذلونها فداء للوطن
الكل يصرخ، الكل ينظر، الكل يزايد، لكن لا أحد يملك المفتاح ولا الجرأة لكسر عنق الزجاجة التي يحشروننا فيها منذ عقود
الوطن اليوم بحاجة إلى فكر علمي حقيقي، إلى عقول تُدير لا تُدَير، إلى عقول تبتكر حلولا تستند إلى اقتصاد الإنتاج لا اقتصاد الجباية، إلى خطط تعيد للزراعة روحها، وتنعش الصناعة، وتشجع الريادة، وتحمي المنتج المحلي من ذئاب الأسواق الخارجية
نحتاج إلى تشجيع البحث العلمي، إلى توجيه التمويل نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى تحفيز الابتكار المحلي، إلى محاربة الفساد بكل أشكاله، إلى وضع برامج تشغيل حقيقية للشباب لا مجرد تصاريح إعلامية
نحتاج إلى إصلاح التعليم ليخرج لنا شبابا يبتكرون ولا ينتظرون وظيفة حكومية، نحتاج إلى بناء منظومة تشاركية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لا أن نُترَك تحت رحمة عباقرة التحليل وجهابذة التصريحات الذين يبيعون لنا الكلام المعلب في علب ملونة
إننا بحاجة إلى رجال أفعال، لا رجال شعارات، إلى حلول تولد من رحم الألم، لا تنظيرات تولد من استديوهات مضاءة ومكاتب مكيفة
إن الوطن اليوم لا ينقصه المحللون، ولا المسؤولون المتخمون بالمزايا، بل ينقصه المنقذون. فالتحليل وحده لا يصنع خبزا، ولا يشبع جائعا، ولا يخلق فرصة عمل
يا أيها المحللون ويا أيها المسؤولون الهابطون بالبرشوتات، كفوا عن دغدغة المشاعر، واخرجوا إلينا بخطة تخرجنا من هذا الليل الطويل، قبل أن نصحو على وطن فارغ من أبنائه، ومن كرامته، ومن مستقبله