اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
رم - مهدي مبارك عبد الله
في أوائل أكتوبر 2025 اعترضت قوات البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية أكثر من 40 قاربًا مدنيًا من أسطول الصمود كانت تحمل نحو 400 ناشط من 47 دولة أثناء محاولتهم الوصول إلى قطاع غزة المحاصر حيث تم اقتيادهم قسرا إلى ميناء أسدود الإسرائيلي والتحقيق معهم دون توجيه تهم جنائية لهم في ظل استمرار سياسات الاعتداء والاعتراض والاعتقال التي تمارسها اسرائيل منذ حادثة سفينة مرمرة التركية عام 2010 والتي لم تكن نهاية الحكاية بل بدايتها فمنذ ذلك اليوم وإسرائيل تواصل حربها ضد كل محاولة لكسر الحصار عن غزة وتتعقب السفن الإنسانية وتعتقل النشطاء بدون اي سند قانوني .
عملية القرصنة الأخيرة شملت اعتقال جميع النشطاء من جنسيات متعددة بينهم نواب أوروبيون وصحفيون وحقوقيون وأطباء تم اقتياد سفنهم بالقوة وأجبروا الجميع على الانبطاح تحت التهديد والإهانة ثم نقلهم مكبلين كالأسرى وقد احتجز بعضهم في هناجر معدنية تحت درجات حرارة مرتفعة في ظروف لا يتحملها بشر وفي عربات امن مغلقة ثم ايداعهم في سجن النقب وحرمانهم من الماء والطعام والدواء وتعريض بعضهم للتفتيش القسري والاعتداء الجنسي والضرب المبرح والإهانة الجماعية وسرقة حقائبهم وحاجياتهم واستخدام الصعق الكهربائي أثناء التحقيق فضلا عن حرمانهم من النوم وعزلهم وتهديديهم بالعنف ومصادرة هواتفهم ومعداتهم وأن الاعتداءات لم تقتصر على الرجال بل طالت نساءً وصحفياتٍ أوروبيات حاولن توثيق ما جرى داخل السفن كما تم إجبار امرأة مسلمة على خلع حجابها وقد نفذ بعض النشطاء إضرابًا مفتوحًا عن الطعام احتجاجًا على معاملتهم السيئة داخل السجون الإسرائيلية كما لو كانوا مجرمين وإرهابيين لا نشطاء سلام وجميع هذه الإجراءات عكست استراتيجية إسرائيلية ممنهجة لإرهاب الضمير العالمي وفرض الردع النفسي على أي محاولة للتضامن المدني الدولي مع اهالي غزة .
النائبة الإيطالية بنيديتا سكوديري عضو حزب الخضر الأوروبي كشفت في خطاب مؤلم أمام البرلمان الأوروبي عن الانتهاكات التي تعرض لها الناشطون اكدت فيه أن ما حدث يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 كما أوضحت سكوديري أن الأسطول كان في مهمة إنسانية لتقديم المساعدات لكسر الحصار المفروض على غزة منذ 19 عام وأن إسرائيل تعاملت مع المدنيين كما لو كانوا مقاتلين حيث قيدت حرياتهم ومنعتهم من التواصل مع محاميهم أو ممثلي دولهم في نموذج من القمع المنهجي الذي يمارسه الاحتلال ضد الفلسطينيين داخليًا ليمتد الى الناشطين الدوليين بعدما فشلت تل ابيب في محاولة الالتفاف على الهدف الرمزي والإنساني للمبادرة بطلبها تفريغ المساعدات في قبرص ثم نقلها إلى غزة فيما تعرضت تسع سفن خلال الرحلة لـ 12 انفجارًا نتيجة هجمات بطائرات مسيرة مجهولة يعتقد انها اسرائيلية القت عليها القنابل الصوتية وخليط من المواد الكيميائية الحارقة والسامة .
على الصعيد العالمي برز تباين واضح بين المواقف الشعبية والحكومات الغربية حيث شهدت عدة مدن أوروبية وأمريكية مظاهرات حاشدة داعمة للأسطول رفع فيها العلم الفلسطيني بينما اكتفت بعض الحكومات بالبيانات أو المواقف المترددة تحت تأثير اللوبي الإسرائيلي القوي مما يعكس ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي وحقوق الإنسان في المقابل غابت المواقف الرسمية العربية أو تماهى بعضها مع ممارسات الاحتلال حيث أغلقت بعض الدول حدودها أمام المتضامنين واحتجزت نشطاء قافلة الصمود وأحبطت محاولاتهم المتكررة للوصول إلى القطاع فيما تبنت دول اخرى مواقف تطبيعية مخزية عززت الحصار الإسرائيلي على غزة ما عكس استمرار أزمة الشرعية الأخلاقية والسياسية لبعض الأنظمة العربية المتصهينة .
العملية الإسرائيلية سعت الى فرض وصاية بحرية على أي محاولة لكسر الحصار على غزة مستغلة الغطاء السياسي الأمريكي وصمت المجتمع الدولي وهو ما يكشف عن شعور الاحتلال بالحصانة القانونية وأن أي تحدٍ للسياسات الإسرائيلية سيواجه بالقوة والاحتجاز والإذلال فيما كشف شهادات وتقارير منظمي الأسطول أن الرسالة الإنسانية للأسطول لم تكن مجرد إيصال للمساعدات بل السعي الى فضح سياسات الحصار والانتهاكات وتحويل المبادرة المدنية إلى اختبار لمصداقية المؤسسات الدولية في الدفاع عن حقوق الإنسان
الهجوم البحري المنظم حمل في طياته عدة رسائل اكدت ان إسرائيل مستمرة في حصارها ومنع أي كسر له بالإضافة الى انها كشفت هشاشة المواقف الرسمية العربية والغربية وابرزت دور المبادرات الشعبية والمدنية في فضح الانتهاكات وكسر الحصار الرمزي وتحويلها إلى قضية رأي عام يضغط على الحكومات الغربية والإسرائيلية على حد سواء بالتوازي مع استمرار التضامن المدني الدولي كعامل وحيد قادر على مواجهة الانتهاكات وتحويلها إلى ضغط سياسي ودبلوماسي على إسرائيل والدول المتواطئة معها وإبقاء القضية الفلسطينية في الواجهة الدولية
رغم كل ما عاناه النشطاء من اذلال وعنف نفسي وجسدي الا انهم لا زالوا مصممين على الاستمرار في دعم غزة وتنظيم محاولات جديدة وإطلاق حملات بحرية وبرية ودبلوماسية والتأكيد على ان الرسالة التي حملوها إلى البحر ليست مجرد حمولات من طعام ودواء بل تحدٍ أخلاقي لواقع يحاصر ملايين البشر ومحاولة كشف زيف الشعارات التي ترفعها دول تحترم نفسها على الورق أما على الأرض فالأطفال الفلسطينيين يموتون من الجوع والمرض وأن ممارسة القمع والترويع لن يثنيهم عن واجبهم ورسالتهم التي أصبحت واجبًا انسانيا و تاريخيًا
في ذات السياق اكدت العديد من المنظمات الحقوقية والانسانية أن منع وصول المساعدات أو استهداف السفن المدنية يمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف كما وصفوا ما جرى بالقرصنة وجريمة اختطاف مكتملة الأركان وانتهاك فاضح لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وللقواعد الإنسانية التي تحكم حماية المدنيين في البحار وأن اعتراض السفن الإنسانية في المياه الدولية هو اعتداء على المجتمع الدولي كله وليس فقط على المشاركين في الأسطول لكن إسرائيل تعلم مسبقا أن أحدًا لن يحاسبها ما دامت تملك غطاءً دبلوماسيًا وسياسيًا من قوى كبرى حيث يرفض العالم مواجهة حقيقة أن قواعد القانون الدولي تطبق انتقائياً
اعتراض الاحتلال الإسرائيلي لسفن أسطول الصمود العالمي بحجة أن القطاع بات منطقة عمليات قتالية لم يكن مجرد اعتداء مسلح في المياه الدولية وإن ما فعلته إسرائيل بالنشطاء ليس فقط انتهاك إنساني بل جريمة العصر بحق الضمير الإنساني لأنها استهدفت فكرة التضامن والعدالة والرحمة فحين يُعتقل المتضامن ويُهان صاحب الرسالة يصبح العالم اجمع أمام سقوط أخلاقي كامل يكشف زيف شعارات الديمقراطية التي يرفعها البعض بينما يغضون الطرف عن جرائم اسرائيل الممنهجة .
قافلة أسطول الصمود لم تنطلق لنقل المساعدات الغذائية والدوائية فحسب بل هي خطوة رمزية مهمة للاحتفاظ بصوت الضمير العالمي حيا وتصعيد المقاومة المدنية العالمية ضد الإبادة في غزة ورسم خطً فاصل بين التواطؤ والصمت من جهة والإرادة الشعبية الحرة من جهة أخرى والتأكيد على أن غزة رغم الحصار والاعتداءات ستظل رمزًا للكرامة والمقاومة وأن المبادرات المدنية والدولية قادرة على فرض مساءلة الاحتلال وكسر الصمت الدولي مهما طالت سياسات الإقصاء والاحتجاز والإرهاب المنظم فقد نجح النشطاء عبر حملتهم في خلق وعي شعبي عالمي تجاه الممارسات الإسرائيلية وكشفوا الأكاذيب التي تبثها الدولة العبرية أمام الرأي العام الدولي كما حولوا مواجهة الحصار والغطرسة الإسرائيلية إلى قضية ضمير عالمي وأثبتوا أن دورهم لم يقتصر على إيصال المساعدات بل امتد إلى فضح المخططات الإسرائيلية وإحراجها دبلوماسيًا وسياسيًا بعدما أصبح تأثيرهم أكبر من حدود غزة وبحرها لتصبح القضية الفلسطينية اختبارًا عالميًا لمدى التزام القوى الكبرى بالقانون الدولي وحقوق الإنسان
حين يُترك المتضامنون المدنيون وحدهم في مواجهة قوات البحرية الإسرائيلية المددجة بالسلاح فهذا هو السقوط الأخلاقي وانهيار الشرعية السياسية لبعض الأنظمة العربية والدولية التي تخلت سريعا عن دورها التاريخي واختارت أن تكون جزءًا من منظومة الحصار وان غزة عنوانًا الكرامة ورمزًا الصمود الإنساني لن ينكسر مهما اشتدت العواصف وستبقى كل محاولة لكسر حصارها بمثابة نداء ضمير لكل أحرار العالم لتذكيرهم بأن الحرية لا تمنح بل تنتزع وأن الإنسانية لا تقاس بما نقوله بل بما نفعله من أجل المظلومين والمقهورين
من جديد يتكشف وجه إسرائيل الحقيقي وهي تمارس في عرض البحر ما دأبت على ممارسته في البر والجو من قمع وإرهاب وان العدوان على قافلة الصمود لم يفضح الاحتلال وحده بل عرّى بعض الأنظمة العربية المتخاذلة وأكد تواطؤها في وقت كان الغرب رغم انحياز حكوماته لإسرائيل يسمح لشعوبه أن تعبر عن تضامنها فإن هذه الأنظمة منعت حتى أبسط أشكال التعبير الشعبي ليتضح لنا اكثر أن التغيير لن يأتي من قصور الحكام ولا من طاولات المفاوضات ولا من مؤامرات التطبيع بل من إرادة الشعوب الحرة التي لا تزال ترى في فلسطين بوصلتها الأولى مهما بلغت محاولات تجريم التضامن الإنساني لكسر الحصار المفروض على القطاع وخنق أي صوتٍ يحاول فضح دولةٍ بوليسية تمارس الإرهاب تحت حماية الغرب من عرض البحر او من تحت أنقاض غزة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]