اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
حبيبها في مدرستي..
رأفت حدّاد
لا ندرك غالباً كم للكلمة من أثر..ونجهل أحياناً أن بعض ما فينا من محتوى ومن اهتمامات وإبداعات أو مشاعر وعواطف هي نتاج تأثرنا بالأشخاص القريبين منّا ، وبالطبع أضيق الحلقات الينا هم #الأهل او #المدرسة..!
الكثير من صفاتنا الشخصية العاطفية والإنفعالية نكتسبها منهم ونضيف عليها كل حسب موهبته ومقدرته العقليّة..في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، كنت طالباً في كلية الحسين الثانوية ..وكنت تحديداً في الصف الثالث الثانوي العلمي ط..!
جاءنا استاذ جديد للغة العربية.. كان واثقا من نفسه ومن لغته .. كان أنيقاً ووسيماً أيضاً..كان يحب الشعر كثيراً وأظنه كان عاشقاً للمتنبي..كان بشغلنا في مواضيع لغوية جديدة علينا ، يدفعنا نحو التأمل في #المفردات والكلام وتأليف الأفكار لابل كان يحترم افكارنا وطريقة تعبيرنا عنها..كان مذهلاً..سحرني الرجل وأحببته…لا أظن أن الاستاذ خالد الكركي كان قد تجاوز الثلاثين من عمره وقتها..
في يوم ، دخل علينا في حصة #اللغة_العربية وقال اسمعوا…ويحفر الحب قلبي بالنار بالسكين..! وأضاف.. مش عشان عبدالحليم بغنيها،لكن اسمعوا هذا الكلام وكيف ان الحب يحفر في القلب ، وما هي ادواته ..
وبدأ يشرح عن اصول الشعر وكيفية استخدام ادوات اللغة في الترميز والاستعارات والتشبيه اللفظي لصياغة فكرة شعريّة مؤثرة..!في مساء ذلك اليوم ولم تكن وسائل المعرفة قد اخترقت حياتنا بعد..تلفزيون محدود القنوات لا يملكه الّا الأغنياء ، ولا فيديو ولا كمبيوتر ولا انترنت ..
غوغل وانستغرام وتويتر كانت من الخيال العلمي وفي طور التكوين..
اللهم وسائلنا للمعرفة كانت الراديو والكتاب وشريط الكاسيت..كنت أعرف عبدالحليم بالطبع ولكن لقلّة حجم الاهتمام والخيارات كانت الأغاني أو القصائد المغنّاة تتداخل مع بعضها البعض فلا نميز بين حبيبها وسمراء او بين لست قلبي ولا تكذبي ..ذهبت إلى بائع الأشرطة وطلبت منه أغنية ويحفر الحب قلبي..! قال شو هاي يحفر الحب قلبي..؟ قلت بلهجة الفاهم يارجل بالنار والسكين اغنية عبد الحليم..!فال ..اه ، قصدك حبيبها..؟!
قلت نعم..
بدأت استمع لعبد الحليم حافظ بعمق اكثر ، وفهمت من قصيدة حبيبها التي غنّاها عبد الحليم كم كان الاستاذ خالد الكركي عميقاً وكم كان متأثراً مؤثّراً ..حينها بدأت استمع اكثر للقصائد المغنّاة وأستوعب الجمل الجميلة ذات المعنى والأثر..اخترق محمد الموجي وجداني وبدأ يؤثر بي ، إذ كيف لهذا العبقري أن يؤلف جملة موسيقية تسحر الاستاذ والطفل معاً..
إلى اليوم وكلما طافت على مسمعي أغنية حبيبها يخطفني الزمن سريعاً الى الصف الثالث الثانوي ط ، وتلك الحقبة الجميلة من العمر …وكلما مررت في وسط البلد والتفت إلى موقع بائع الأشرطة الذي تحول إلى محل تركيب عطور اتذكر في الحال حبيبها ..!من أجل تلك الكلمة .. أحببت مدرستي والشعر وخالد الكركي والكرك ..وعشقت الموسيقى وعبدالحليم والموجي ..ومصر ايضاً..!!