اخبار الاردن
موقع كل يوم -الوقائع الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
الوقائع الاخبارية:تدخل تعديلات المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني والمتعلقة بمسألة حبس المدين، حيز التنفيذ بتاريخ 25 حزيران المقبل، لتتغير بموجب ذلك آلية التعامل مع قضايا حبس المدين، بما في ذلك معظم الديون التعاقدية والشخصية.
وجاء تعديل قانون التنفيذ الأردني بموجب القانون رقم (9) لسنة 2022 قانون معدل لقانون التنفيذ، وقد نشر في الجريدة الرسمية خلال حزيران من العام ذاته، حيث نص التعديل على وقف حبس المدين في حال كان الدين ناشئا عن التزام تعاقدي، مع استثناء حالتين فقط يجاز فيهما الحبس، وهما الالتزامات الناشئة عن عقود العمل، وتلك المترتبة بموجب عقود الإيجار.
وحسب التعديل الجديد، يجوز للدائن أن يطلب حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تناسب مقدرته المالية خلال مدة الإخطار على أن لا تقل الدفعة الأولى عما هو متفق عليه بموجب التسوية، فإذا لم يوافق المحكوم له على هذه التسوية فللمحكمة أن تأمر بدعوة الطرفين لسماع أقوالهما وتقوم بالتحقق من اقتدار المدين على دفع المبلغ وإصدار القرار المناسب.
ويحق للدائن أن يطلب حبس مدينه دون الحاجة لإثبات اقتداره في عدة حالات منها، التعويض عن الأضرار الناشئة عن جرم جزائي، ودين النفقة المحكوم بها ويعتبر كل قسط منها دينا مستقلا، والمهر المحكوم به للزوجة، والامتناع عن تسليم الصغير الذي عهد إليه بحفظه وكذلك عدم الالتزام بتنفيذ حكم المشاهدة، ويجدد الحبس تلقائيا لحين الإذعان، وللمحكمة الحق في تأجيل الحبس إذا اقتنعت بأن المحكوم عليه مصاب بمرض مؤقت لا يتحمل معه الحبس.
وأشار مختصون، إلى أن الآلية الجديدة للقانون جاءت للحد من اللجوء إلى حبس المدين كإجراء أساسي، وجعله الملاذ الأخير في حالات محددة، وتوفير خيارات بديلة للمدينين لتمكينهم من السداد دون حرمانهم من حريتهم، بما يتماشى مع المعايير الدولية، إضافة الى الحفاظ على حقوق الدائنين في استرداد ديونهم وصون الكرامة الإنسانية للمدينين.
وقالت مفوضة الحماية في المركز الوطني لحقوق الانسان نهلا المومني، إن الأردن وفي إطار سعيه المتواصل نحو مزيد من الحماية والتعزيز لحقوق الإنسان والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بهذا السياق، سجل تطورا نوعيا ملحوظا بتعديل قانون التنفيذ، حيث جاءت هذه التعديلات لتتواءم بصورة كبيرة مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نص في المادة الـ 11 منه على عدم جواز حبس المدين بسبب عدم قدرته على الوفاء بدين مدني، وهو العهد الذي صادق عليه الأردن ونشره في الجريدة الرسمية وأصبح جزءا من المنظومة القانونية الوطنية.
وأضافت تأتي هذه التعديلات التي تتوافق والممارسات الفضلى في دول العالم لتتواءم أيضا مع العديد من التوصيات التي قبلها الأردن في إطار آلية الاستعراض الدولي الشامل في مجلس حقوق الانسان والملاحظات الختامية التي وجهت له من قبل الآليات التعاهدية لحقوق الانسان، وهو ما يعد مؤشرا على سعي الأردن إلى احترام حقوق الانسان والبحث عن بدائل تحقق مصالح جميع الأطراف.
ولفتت إلى أن هذه التعديلات جاءت لتتوافق وواقع الحال الذي يشير إلى أن حبس المدين يخلف آثارا سلبية على الأفراد والمجتمع؛ حيث أن الحبس يؤثر على قدرتهم الاقتصادية ويؤدي إلى فقدانهم أعمالهم، ما يحول دون قدرتهم على السداد لاحقا، ومن جانب آخر تخفيض نسبة اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل والحد من العدوى الجرمية، حيث أثبتت الدراسات أن الحبس قصير الأمد يؤدي الى نتائج سلبية كبيرة تفوق إيجابياته إن وجدت، ناهيك عن الآثار الاجتماعية والنفسية الناتجة عن عملية الحبس على المدين والمحيطين به.
وأشارت إلى أن المشرع الأردني وتحقيقا للمصلحة العامة ولإيجاد حالة من التوازن بين مصالح الأطراف المتعارضة، لم يلجأ إلى تطبيق هذه التعديلات مباشرة وإنما منح هذا النص فترة زمنية ليدخل حيز النفاذ لغايات تسوية بعض الأوضاع وتهيئة الأفراد وتمكين الدائنين من الحصول على الضمانات الكفيلة بسداد ديونهم، كما أنه استثنى أنواعا معينة من الديون وجعلها قابلة لتطبيق الحبس، نظرا لخصوصيتها مثل الديون العمالية وبدل إيجار العقارات وتلك الناتجة عن الأضرار الجنائية.
من جانبها، قالت أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية ميساء الرواشدة، إن التعديلات تمثل خطوة نحو عدالة اجتماعية أكثر توازنا بين المدين والدائن، وتمثل نقلة نوعية في التعاطي مع قضايا المديونية، إذ تعكس تحولا من منطق العقوبة إلى منطق العدالة الاجتماعية والتمكين، مؤكدة أن حبس المدين، خاصة في القضايا المالية البسيطة، لم يكن يفضي إلى حل جذري للمشكلة، بل كان يؤدي إلى تفاقم الأزمات الأسرية وتكريس الهشاشة الاجتماعية.
وأضافت أن التوجه الجديد الذي أقره المشرع الأردني، عبر وضع حد أدنى للحبس وإدخال نظام التسوية بنسبة 15بالمئة بين الدائن والمدين، يحمل في طياته أبعادا إنسانية واجتماعية مهمة، مشيرة إلى أن هذه التعديلات تراعي الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها كثير من المواطنين، وتسهم في تقليل حالات التفكك الأسري الناتجة عن فقدان المعيل بسبب الحبس، كما تتيح للمدين فرصة الاستمرار في عمله وسداد التزاماته بدل أن يصبح عبئا على أسرته والمجتمع.
ولفتت إلى أن استمرار الحبس في حالات النفقة والمهر والتعويضات العمالية يشير إلى إدراك المشرع لأهمية حماية الفئات الأضعف، كالأطفال والنساء والعاملين، وهو ما يعكس توازنا محمودا في ضمان العدالة وعدم الإخلال بحقوق الدائنين، مؤكدة أن التعديلات تسهم في تقليل العبء على مراكز الإصلاح والتأهيل، وتقلل من تكاليف الحبس التي تتحملها الدولة، فضلا عن أنها تعزز من ثقة المواطن بمؤسسات الدولة عبر الإحساس بأن القانون يتطور بما يتناسب مع واقع الناس.
وختمت الرواشدة، بأن هذه التعديلات خطوة في الاتجاه الصحيح نحو بناء مجتمع أكثر عدالة وتماسكا، لكنها تتطلب تفعيلا دقيقا وآليات رقابة تضمن حسن التطبيق، إلى جانب حملات توعية واسعة لتصحيح الفهم العام، وتأكيد أن الغاية منها ليست تشجيع التهرب من الدين، بل خلق بيئة قانونية توازن بين الحقوق والكرامة الإنسانية.
بدوره، قال أستاذ القانون الإداري والدستوري المساعد في كلية القانون في جامعة اليرموك جهاد الجازي، إن هذا التعديل جاء لغايات انسجام التشريعات الأردنية مع المواثيق الدولية، لا سيما ما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحظر حبس أي شخص لمجرد عجزه عن تنفيذ التزام تعاقدي، وبهذا التحول فقد أعاد المشرع الأردني النظر في الفلسفة التشريعية التي يقوم عليها نظام التنفيذ الجبري، متخليا عن الحبس كوسيلة لتحصيل الديون الناتجة عن الالتزامات التعاقدية البحتة، ومستعيضا عنه بإجراءات تنفيذية تضمن للدائن تحصيل حقه دون المساس بحرية المدين.
ولضمان عدم الإضرار بحقوق الدائنين، تبنى القانون وسائل تنفيذية بديلة تتضمن الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة، والمنع من السفر، وغيرها من الإجراءات التي تحقق الغاية ذاتها دون اللجوء إلى تقييد الحرية، كما حدد مدد الحبس في الحالات التي ما تزال تجيزه، بحيث لا تتجاوز 60 يوما في السنة عن الدين الواحد، وبحد أقصى 120 يوما في حال تعدد الديون، وهو ما يعكس توجه المشرع نحو تقنين هذه العقوبة وضبطها.
وإن كان من المحتمل أن يحدث هذا التعديل أثرا ملموسا في الواقع العملي للتعاملات التعاقدية في المستقبل، فإن تقييم هذا الأثر إن كان سلبيا، يبقى خاضعا لإمكانات المراجعة والتعديل التشريعي، بما يحقق التوازن المطلوب بين ضمان حقوق الدائن من جهة، وصون الكرامة الانسانية للمدين وحريته الشخصية من جهة أخرى دون الإضرار بالدائنين.