اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣ أب ٢٠٢٥
غزة تناقش رسائل علمية تحت القصف والمجاعة… وإسرائيل تغتال العلماء وتدمرالجامعات والمدارس
اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني
في الوقت الذي جلست فيه الباحثة الصيدلانية 'مي محمد موسى' أمام لجنة علمية في الجامعة الإسلامية بغزة لمناقشة رسالتها قبل اسبوع ، كانت طائرات الاحتلال تواصل قصفها الممنهج للمدارس والجامعات ودور الحضانة والمراكز الطبية والعلمية وطوابير الأطفال الجائعين الذين ينتظرون كسرة خبز او كوب حليب. هذه المفارقة الدامية تُسلط الضوء على صراع جوهري: صراع بين حضارة تُصِرُّ على النهوض بالعلم، وسلطة احتلال وعدوان تُمعن في إعدام المعرفة والحياة.
مناقشة رسالة عن 'الجودة الشاملة في القطاع الدوائي' بينما تُقصَف المستشفيات وتُحرم غزة من الأدوية، هو إعلان أن المعرفة سلاحٌ لبناء الذات وتحدي الحصار. الباحثة د. مي واسمها يحمل دلالة 'الماء' في الصحراء، واللجنة التي اجتمعت رغم المخاطر ،وأحد اعضائها زميل وصديق لي، هم 'حراس الحياة' الحقيقيون.
غزة، التي لا تملك حاليا ادنى مقومات البحث العلمي ولا حتى خبزا لإطعام اهلها وتعيش تحت القصف المتواصل لحوالي عامين وتصارع المجاعة المخطط لها، تُخرّج من رحم المعاناة باحثين ينحتون مستقبلهم بأظافرهم. في المقابل، عمدت إسرائيل منذ بداية عدوانها الهمجي إلى اغتيال اكثر من 120 عالما من نخبة الأساتذة الجامعيين والعلماء والأطباء الذين كانوا يخدمون المجتمع في أكثر قطاعاته حساسية ، نذكر من بينهم على سبيل المثال: د.سفيان تايه – رئيس الجامعة الإسلامية بغزة ، د. سعيد الزبدة – رئيس الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، د. أحمد الدلو – عميد كلية الطب وعلوم الصحة بجامعة فلسطين، د. أحمد أبو عبسة – عميد كلية الهندسة بجامعة فلسطين، د. نسمة أبو شعيرة – أستاذة الفنون الجميلة بجامعة الأقصى، د. حسام حمادة – مدير دائرة الباثولوجي في مجمع الشفاء الطبي، د. عدنان البرش- أحد أعمدة جراحة العظام في فلسطين، د. سعيد العويني- أستاذ الفيزياء في الجامعة الإسلامية، د.محمد بخيت – أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بالجامعة الإسلامية، د. رامز العايدي – أستاذ القانون في كلية العودة الجامعية ود. ماهر الحولي من رموز التعليم الشرعي .
الجامعة الإسلامية ، التي شهدت مناقشة رسالة الباحثة د. مي قبل اسبوع، ليست مجرد مبنى أكاديمي تم تدميره، بل أصبحت رمزًا للصمود الثقافي والعلمي. وقد تعرّضت هذه الجامعة مرارًا للقصف، شأنها شأن جامعة الأزهر وجامعة الأقصى والمدارس التابعة لوزارة التربية وللأونروا ورياض الأطفال وغيرها، حيث دمر جيش الإحتلال الصهيوني 103 جامعات ومدارس كليا إضافة إلى تدمير 311 جامعة ومدرسة بشكل جزئي . هذا الاستهداف ليس عبثيًا ولا عشوائيا، بل يعكس عقيدة احتلالية ترى في الوعي والمعرفة خطرًا أكبر من الصواريخ فهي لا تخشى جدران الجامعات، بل عقول من بداخلها.
دولة الكيان الصهيوني التي تدّعي الديمقراطية والعلمانية، تمارس تدميرًا منهجيًا للتعليم، وتُمعن في قطع الطريق على أي مشروع حضاري او حتى حياتي في غزة. إنها ليست حربًا تشنها دولة الإحتلال على حاضر وحضارة غزة فقط، بل حرب على مستقبل هذا القطاع الصامد وأهله. لكن غزة تردّ برسالة علمية، تقول فيها: 'نحن نُكمل طريق شهدائنا ونبني ما هدمتم ونعلّم أبناءنا أن القلم لا يقل شرفًا وأهمية عن البندقية'.
وفي الختام، هذا الحدث الأكاديمي في قلب الحرب يُعدّ 'بياناً حياً' عن إرادة الحياة الفلسطينية، ويرسم دروساً عميقة تتجاوز الجدران المدمرة للجامعة الإسلامية في غزة . فبينما تسعى إسرائيل لإطفاء شعلة العلم في غزة، نجد أن كل غارة على مدرسة وكل اغتيال لعالِم وكل قصف لجامعة، يقابله في الجانب الآخر محاضرة تُلقى أو رسالة تُناقَش أو طالب يُمنح درجة علمية. هذا الحدث يُجسّد 'أسطورة العنقاء الغزيّة الفلسطينية' حقاً: فمن تحت الركام ينهض جيلٌ فلسطيني يكتب أطروحته بالدم والقلم، ليُنتج علوماً تُزهر كالزنابق البيضاء على حدود المقابر الجماعية.