اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة الحقيقة الدولية الاخبارية
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
د. روان سليمان الحياري
يشهد الاقليم لحظة مفصلية تكشف عمق التحولات الإقليمية ومحدودية أدوات الردع، أمام مشاريع تفكيك وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. إن ما يجري في غزة والضفة الغربية، من تصعيد ممنهج وسياسة إحلال مدروسة، لم يعد مجرد عدوان عابر، بل يعكس نهجًا اسرائيليا استراتيجياً يعمل على كسر الإرادة الفلسطينية، وتقويض فكرة الدولة من جذورها.
في الضفة، تتسارع الخطوات نحو الضم وتفتيت الجغرافيا السكانية، بينما تحوّلت غزة إلى ساحة اختبار دائم لقدرة الأمة على الصمود أو الانهيار. أما في سوريا، فالصراع تجاوز البُعد العسكري إلى صراع نفوذ بين القوى الدولية، بينما تستنزف البلاد في نزاعات الوكالة، ويُعاد تشكيل القرار السيادي السوري بعيدًا عن مركزه الوطني.
تُطرح خطة ويتكوف كأداة لإعادة ضبط قواعد الاشتباك في غزة، ضمن مقاربة تسعى لتحقيق 'السلام بالقوة' دون تقديم أثمان سياسية، هي الاقرب في جوهرها لإدارة الصراع لا إنهاءه، باستنادها إلى ثلاث ركائز: استعادة الأسرى، تفكيك قدرات حماس، وربط الإعمار بالامتثال الأمني. من خلال فرض تهدئة طويلة الأمد تُمكّنها من فرض معادلة 'أمن مقابل خبز'، وشرعنة إشراف خارجي على غزة، مع إعادة تشكيل بيئتها السياسية لفرض أمر واقع جديد على مستقبل القطاع. فمنع الاحتلال الإسرائيلي لوزراء عرب دخول الأراضي الفلسطينية يُعد تصعيدًا سياسيًا، ويؤكد تحكم إسرائيل بمفاصل الزيارة والتمثيل حتى في أراضي السلطة. هذه الخطوة ليست أمنية بل رسالة سياسية لفرض الهيمنة كأمر واقع.
حتى في اليمن، يظهر المشهد كأن الحرب تلد حروبًا، رغم المبادرات الظاهرة، فإن المشهد الإقليمي يُبقي اليمن جرحًا مفتوحًا، تستثمر فيه القوى المتصارعة لكسب أوراق تفاوض مستقبلية.
تحتاج المنطقة في هذه المرحلة السياسية الدقيقة، إلى ما هو أعمق من القمم؛ إلى بلورة استراتيجية تقوم على إعادة تعريف الأمن القومي، والانطلاق من الثوابت لا المصالح الوقتية. فلسطين ليست فقط قضية تحرر، بل اختبار أخلاقي، ومعيار وجودي يعيد للموقف العربي وزنه قبل أن يتحوّل إلى أرشيف.