اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٢ أب ٢٠٢٥
الإصلاح السياسي في الأردن: مشروع دولة أم شراكة ناقصة؟
د. خالد العاص
منذ إعلان جلالة الملك عبدالله الثاني إطلاق منظومة التحديث السياسي في عام 2021، برزت إشارات واضحة إلى نية الدولة إعادة هيكلة المشهد السياسي على أسس حديثة، أكثر تمثيلًا وتعددية، وقد مثّلت انتخابات 2024 النيابية أول اختبار عملي لهذا المسار، حيث أُجريت وفق القانون الانتخابي الجديد الذي أُقرّ بناءً على توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
لكن السؤال المطروح اليوم، خصوصًا في أوساط الشباب: هل هذا التحديث يمضي حقًا في اتجاه بناء ديمقراطية حزبية؟ أم أنه ما زال في طور التنظير؟ الواقع أن ما حدث من تعديلات تشريعية في قوانين الأحزاب والانتخاب يحمل أبعادًا إيجابية لا يمكن إنكارها؛ فقد أصبح تأسيس الحزب السياسي مرتبطًا بتمثيل جغرافي، ونوعي (شباب ونساء)، مما يحفز المشاركة الأفقية، كما أن القانون الجديد يدفع باتجاه تعزيز دور الأحزاب داخل البرلمان تدريجيًا، تمهيدًا لوجود حكومات حزبية مستقبلًا.
لكن رغم ذلك، فإن الحضور الحزبي في المشهد السياسي ما زال باهتًا، ولم ينعكس بشكل فعلي على تركيبة البرلمان أو على طبيعة النقاش السياسي العام، فالكثير من القوائم الحزبية التي خاضت انتخابات 2024 لم تنجح في تقديم برامج مقنعة، ولا تزال تعاني من أزمة هوية وتنظيم داخلي، وهو ما انعكس على قدرتها على كسب ثقة الناخب الأردني الذي ما زال يفضل المرشح الفردي والعشائري في معظم الدوائر.
المفارقة أن فئة الشباب، وهي الأكثر عددًا وحضورًا رقميًا وثقافيًا، لا تزال الأقل تأثيرًا في الحياة السياسية، بل إن استطلاعات الرأي العام تكشف بوضوح فجوة الثقة بين الجيل الجديد والمؤسسات الرسمية، ما يضعف الأثر المرجو من أي تحديث سياسي مهما كانت نواياه صادقة. الرهان الآن ليس فقط على تفعيل القوانين، بل على فتح المساحات الآمنة والفعالة أمام الشباب للتعبير، والمشاركة، والمحاسبة؛ فالجامعات يجب أن تكون بيئة حيوية لتجريب العمل الحزبي، وليس ساحات مفرغة من السياسة، كذلك، فإن تمكين الشباب من القيادة الحزبية واتخاذ القرار هو خطوة لا غنى عنها لترسيخ التعددية.
وإلى جانب الجامعات، لا بد من تجديد الخطاب الإعلامي والسياسي الموجه إلى الشباب، بحيث يتجاوز لغة الشعارات ويخاطب طموحاتهم بلغة واقعية تعترف بإحباطاتهم، وتمنحهم الأدوات لفهم النظام السياسي والعمل داخله بدل النفور منه، فكل منظومة سياسية، مهما بلغت من الحداثة القانونية، تحتاج إلى جيل يصدق بها ويؤمن بدوره فيها.
التحديث السياسي في الأردن مشروع ضروري، لكنه لن ينجح دون شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، وخصوصًا فئة الشباب؛ فالإصلاح لا يُقاس بعدد الأحزاب المرخصة، بل بمدى قدرة هذه الأحزاب على أن تكون أدوات فاعلة للتغيير والمساءلة، وأن تجذب إليها طاقات المجتمع، لا أن تبقى واجهات شكلية لا تمس جوهر الممارسة السياسية.