اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ١١ تموز ٢٠٢٥
رم -
صباح الخير يا عبدالكريم الدغمي ، صباح الورد والسكر ...لا أريد أن أهاتفك لأن المكالمة بيننا ، تشبه زغب الطائر الذي غفى في العش ، مع أول هبة ريح يختفي الزغب في المدى ، أريد أن أكتب لك ...فالكتابة توثق الجرح والدمع .
يقولون: عبدالكريم توارى عن الأنظار ، وبعضهم يقول لاذ بالصمت ...وبعضهم يلمح لي حين يأتي (طاريك الحلو) ، بأنك تمضي الليل مع الندامى والشعر والفرح ...ليكن ليلك مع الندامى ..ليكن ، على الأقل نحن أوفياء لليل والقصيدة ..بعكس من احترفوا اليسار وباعوا اليسار كله على طاولة (صاحب العطوفة) ، بعكس من أطلقوا اللحى واحترفوا الرايات الخضراء ، وباعوا الرايات وحلقوا اللحى عند أول موقع وأول دفعة تحت الحساب ...نحن الذين طوينا ليالي المفرق والكرك ولم تطوينا الليالي ...
صباح الخير يا عبدالكريم ، واسمح لي أن أقول لك أمرا اخر قد يزعجك وهو : أن أحدا من غلاة الإسفاف والتقارير ، همس في أذني أول أمس وقال : ( عبدالكريم حطوه ع الرف ) ...ضحكت وتذكرت مظفر النواب ، فهو مثلك مظفر مثلك ، على حليب الجنون تربى ، ولاك الشوك مع كل قضمة خبز ، هو مثلك حين قال عنهم : (تهر خلفي كلاب الليل ناهشة أطراف ثوبي على عظم من المنح
.....ضحكت منها ومني فهي يقتلها سعارها وأنا يغتالني فرحي) .
أنت يا عبدالكريم مثله تماما حتى الفرح تامر عليك واغتالك ، والجنون الذي ورثته من رمل المفرق ، والتمرد ..وذاك الرفض ، والوطن الذي بنيناه في محاجر العيون ، والحلم الذي أفقنا عليه ..والمساحات التي صنعناها للشعر والسياسة والعشيرة والرفض ، ومباديء القانون التي درسناها ، والمحاكم ...وكراسي مجلس النواب ، وفناجين القهوة والمكتب ، ومسدس الوالد ، ...كل ذلك كان يغتالك ، وها أنت على حواف الشيب الان مثخن بالجراح ، ولكنك الوحيد في الأردن الذي مضى في هذا العمر ..وهو فرح بالنزف..فانزف ، نحن أصلا مع كل قطرة دم ننزفها نغسل وجه البلد ، ونغسل خطاياها ، ونؤسس منهج التمرد الجديد القادم .
وضعوك على الرف !!!..هكذا قالوا لي يا عبدالكريم ، واسمح لي أن أعاتبك قليلا ، فاسمع عتب اللغة والقلب ، واسمع صهيل الريح الكركية إن مرت فوق مقام جعفرالطيار ، واستفزت رمحا ، أو علقت تميمة على صدر الجنوب ..
لايحق لك أن تصمت ، هذي العيون لاتصمت حتى وإن غسل دمعها وجهك كل صباح ....وهذا القلب الذي ضخ الدم الخضيب ، لم يكن قلبا كان مثل طبول الحرب تقرع في صولات الحب والعشيرة ...إياك أن تصمت ، وتحدث بما يجب وكما يجب واطلق صرختك ، إن دمشق التي غسل نزار قباني وجهها بالياسمن والهوى ...ستظل هي دمشق ، فقاسيون لن يرحل ...والمسجد الأموي سيبقى ينشد مع كل صباح عند الأذان :
قادم من مدائن الريح وحدي فاحتضني كالطفل ياقاسيون
أهي مجنونة بشوقي إليها هذه الشام أم أنا المجنون ؟
لا تصمت ، إن راية العباس في كربلاء ومنذ (1400) عام ، ما زالت تخطب في الطف كل يوم ، ويأتي ماء دجلة طالبا التوبة ...تخيل حتى الماء رفضت توبته ، وهاهي مازالت تطوف فوق العمائم والريح ...
أيصمت من أطرب صوته ، دالية العنب ، وجدران الوطن المغيب في المنفى ..لا تصمت إن الصمت خطيئة ، وإن أكبر خطيئة سجلت في تاريخ السيف والنخل العربي كانت : يوم صمت على ظلم (ابي ذر الغفاري) ...فنام هذا الثائر والصحابي على وسادته ، وما معه إلا الصبر ورحمة ربه ، وارتضى الظلم ..وحيدا في الموت والمسار والبعث ، ولكنه ترك في الدنيا ، كل المباديء وكل القوانين ، وترك العشق ...أبو ذر لم يكن متمردا كان عاشقا ، وترك لنا دربه والمسار منهجا ودليلا .
لا تصمت وتذكر ... ذاك العربي العتيق ، مظفر صديقك ...الذي أتعب الفنادق والمطارات ، ونام على الأرصفة ....وظل يحن للعراق مع كل همسة تأتي من المدى ، مات مظفر ..وحين مات ، نكست الريات الحمراء في قلب كل شيوعي ..ويقال أن نخلة في دجلة انحنت ، فقد خلدها بشعره ..أي رجل هذا الذي جعل النخلات تهيم بعشقه ، لكنه ترك القصائد ..وكل قصيدة كانت قنبلة ، ومفخخة وألف صرخة رفض ..وألف كوكب يسير مع الراحلين في تخوم الصحراء العربية ، ويجعلهم يشدون قبضاتهم على السيف خوفا من ذئاب الليل ، ألم يحذرنا مظفر من الذئاب حين قال : ( لا تامنوا جنس الذئاب
إن الذئاب وإن جاورت كعبة الله
تترك بحرا من الدمع لا تؤتمن
لا تأمنوا جنس الذئاب ..إن الذئاب بدون ذنوب ...ذنوب )
صباح الخير يا عبدالكريم ...
لقد تعلمنا منك الجنون ، وتركتنا على الطريقة نسير ..فهل يتخلى راهب عن محرابه ، هل يتبرأ شيخ من مذهب أسسه ، وهل يتوب اللحن من وتر العود ...هذا وقتك كي تصرخ ، فاصرخ يا صديق ماعاد شيء يحتمل ..ومن يقول أن الصمت فضيلة هو كاذب ، لقد سرقوا منا الطريق والمدى ...سرقوا المنعطف والجرف والمنحدر ..سرقوا الأمنيات والقصائد ، سرقوا الجديلة والمنى ...فاسترد يا رفيق الخطى المتعبة بعضا من صخبنا ، هذا وطن لايليق إلا علينا، ونحن نليق به ..
وأسلم لصاحبك .
عبدالهادي راجي المجالي