اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
هل العرب ومعهم إيران وصلوا أخيرًا إلى لحظة لا يخافون فيها الحرب؟ #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي -
في لحظة تتقاطع فيها النار مع السياسة وتغدو الجغرافيا ساحة مفتوحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط تدخل إسرائيل مواجهة متعددة الوجوه مع العرب وإيران تبدل موازين المنطقة.الشرق الأوسط على خط الزناد: إسرائيل تحارب العرب، وإيران تغيّر قواعد اللعبة.
في الشرق الأوسط لا تتوقف الخرائط عن الحركة، ولا الحرب عن التمدد، ولا الجغرافيا عن إعادة تشكيل نفسها من جديد. إسرائيل اليوم ليست في حرب مع غزة فقط، ولا مع اليمن وحده، ولا مع قطر سياسيًا، ولا مع سوريا استخباراتيًا، بل في مواجهة مع بنية كاملة من المتغيرات العربية والإقليمية، وفي مركزها يقف لاعب واحد لم يظهر في المشهد العسكري بشكل مباشر، لكنه يتحكم في إيقاعه: إيران.
السؤال الذي يجب أن يُطرح ليس مع من تحارب إسرائيل؟ بل: لماذا توسّع الحرب أصلًا؟ لأن إسرائيل لا تخشى الصاروخ بقدر ما تخشى سقوط احتكار التفوق. لم تعد وحدها في السماء، ولم تعد القوة التي لا تُقهر، ولم يعد الزمن يعمل لصالحها. ولهذا السبب تتقدم الحرب من جبهة إلى أخرى، كأنها تبحث عن مخرج من مأزق وجودي أكثر من كونها تلاحق انتصارًا ميدانيًا.
غزة - ليست معركة، بل كسر يقين
في غزة خاضت إسرائيل أطول معاركها وأكثرها كلفة. دخّان المباني لم يكن المشكلة، بل ما حدث خلفه: فقدت إسرائيل القدرة على فرض شكل النهاية. كانت تريد حربًا قصيرة، فامتدت. كانت تنتظر انهيار المقاتلين، فقاتلوا. وكانت تعتمد على الردع الذي بناه نصف قرن، فتآكل الردع أمام صمود الأحياء لا أمام عدد الصواريخ. غزة تحولت من ساحة اشتباك إلى ساحة استنزاف، ومن ملف عسكري إلى ملف وعي تعجز إسرائيل عن إغلاقه.
لكن غزة وحدها ليست الهدف. بالنسبة لإسرائيل هي الواجهة الظاهرة لمشكلة أعمق: إيران. فطهران لم تطلق رصاصة مباشرة، لكن يدها كانت في الذخيرة، وفي الفكرة، وفي بقاء النار مشتعلة. نقلت خبرة، ومنحت قدرة، وأطالت زمن الحرب لأنها تدرك أن الزمن يستهلك الكيان المؤسس على التفوق السريع. إيران لم تظهر في غزة، لكنها كانت حاضرة في كل دقيقة صمدت فيها المقاومة.
اليمن - ذراع إيران البعيد الذي لا يحتاج حدودًا
ثم ظهر اليمن، لا كدولة بعيدة، بل كذراع ممتدّ. الطائرات المسيّرة التي انطلقت من صنعاء لم تضرب أهدافًا فقط، بل ضربت نظريّة الأمن الإسرائيلي ذاتها. إسرائيل دولة صُمّمت لتعيش وسط أعداء محيطين بها، لكن أمنها كان يقوم على قاعدة: 'نحن نضرب ولا نُضرب'. اليمن هدم المعادلة. لم يكن بحاجة لحدود مشتركة، لم يحتج دبابات، بل احتاج مسافة كافية ومحرّكًا ذكيًا. ولذلك رأت تل أبيب في اليمن تهديدًا استراتيجيًا، ليس لأنه جيش ضخم، بل لأنه أثبت أن الجغرافيا لم تعد جدار حماية.
قطر - جبهة بلا مدافع… لكنها الأخطر
في قطر المعركة مختلفة. ليست قذائف، بل سردية. ليست موانئ، بل شاشة. إسرائيل تستطيع قصف غزة، وتستطيع مهاجمة اليمن، لكنها لا تستطيع إسكات الرواية التي تُبث من الدوحة. ما تخشاه إسرائيل ليس صاروخًا يسقط في عسقلان، بل تقريرًا يصنع رأيًا عالميًا. ومن يخسر الحرب على الوعي يخسر نصف الحرب حتى لو امتلك مئتي طائرة مقاتلة. لهذا يصبح الإعلام القطري معركة لا يمكن لإسرائيل إغلاقها بالقوة.
سوريا - الجبهة النائمة التي تنتظر الشرارة
أخطر جملة في المشهد ليست عن غزة أو اليمن بل عن سوريا. فهي ليست مجرد ساحة جغرافية، بل حد مباشر مع إسرائيل. وإذا تشكلت نواة مقاومة صغيرة -فقط صغيرة- فإن إيران تحصل على نافذة مواجهة تمتد من جنوب لبنان إلى الجولان. وهنا يفقد الاحتلال ميزته التاريخية في التحكم بالميدان. بيت جن كان اختبارًا، وليس حادثة. اختبار لرؤية من يقود الشرق الأوسط المقبل:
مشروع يريد احتلال الوعي قبل الأرض، أم مشروع يريد جعل الأرض ساحة اشتباك لا نهاية لها؟
داخل عقل نتنياهو - حرب بلا سقف
لفهم الحركة الإسرائيلية، يجب قراءة العقل الذي يديرها. نتنياهو لا يرى نفسه رئيس حكومة، بل آخر حارس قبل سقوط الجدار. لذلك لا يبحث عن تهدئة، بل عن توسيع الحرب كي لا تعترف إسرائيل بأنها فقدت المبادرة. في ذهنه ثلاث قواعد ثابتة:
1. لا أمن بلا خوف عربي.
2. لا ردع بلا نار مفتوحة.
3. لا مستقبل لإسرائيل إن لم تُحاصر إيران.
ولهذا يضرب غزة، ويراقب اليمن، ويهاجم قطر خطابيًا، ويختبر الجولان بهدوء المتربص. ليس لأنه قادر، بل لأنه يخشى لحظة يصبح فيها العدو أكبر من قدرته على الاحتواء.
6–12 شهرًا قادمة - إلى أين تتجه النيران؟
إذا نظرنا إلى نصف العام القادم سنجد أربع حركات واضحة:
غزة - استمرار بلا حسم
الحرب طويلة، لا نهاية قريبة لها، وقد تستمر حتى يتعب أحد الطرفين أكثر من الآخر.
اليمن - اشتباك بحري متزايد
البحر الأحمر لن يعود كما كان، وستستمر الموجات الهجومية والاعتراضية.
قطر - معركة السردية ستتصاعد
كلما ارتفع صوت الإعلام في الدوحة ارتفع الغضب الإسرائيلي.
سوريا - الجولان البوابة الأهم
إن تشكلت مقاومة، ولو محدودة، فسنشهد أخطر تحول استراتيجي منذ 1973.
وهنا نصل إلى السطر الذي قد يغيّر التاريخ: لأول مرة منذ عقود — ليست إسرائيل من تحاصر العرب، بل العرب من يشكّلون ثلاث دوائر نار حولها: غزة، اليمن، سوريا… ومعهم رواية قطر وساعة إيران.
الدور الفاصل لإيران
إيران ليست جبهة مثل الآخرين، بل عامل وقت. لا تستعجل المعركة الكبرى، لكنها تعمل على جعلها ممكنة. لا تظهر في الصورة، لكنها تغيّر زوايا العدسة. صبرها أطول من السياسة الإسرائيلية، ومشروعها أعمق من المدى العسكري. فهي تخوض حربًا لا بالنار فقط، بل بالتحمل. وكلما طال الزمن، تآكلت الدولة التي بُنيت على التفوق. لذلك تحارب إسرائيل العرب لأنها تحاول منع اللحظة التي يصبح فيها الزمن إيرانيًا لا إسرائيليًا.
إسرائيل اليوم لا تقاتل دولة واحدة، بل تقاتل وعيًا عربيًا يستيقظ.
في غزة سقط نصف الردع،
في اليمن سقطت الجغرافيا،
في قطر سقط احتكار السرد،
في سوريا قد تسقط حدود الأمن،
وفي إيران يسقط الزمن من يد إسرائيل لا من سمائها.
إذا اشتعل الجولان مرة أخرى فلن تكون حربًا على أرض واحدة،
بل حربًا على تعريف إسرائيل نفسها — دولة فوق الخوف أم دولة عادت تخاف من محيطها؟
السؤال الأكبر إذن ليس:
هل تريد إسرائيل حربًا مع العرب؟
بل: هل العرب — ومعهم إيران — وصلوا أخيرًا إلى لحظة لا يخافون فيها الحرب؟












































