اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة جراسا الاخبارية
نشر بتاريخ: ٢٧ نيسان ٢٠٢٥
تمثل مشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله، أمس السبت، في مراسم جنازة قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان، موقف الأردن التاريخي والثابت في دعم قيم السلام العالمي والحوار بين الأديان، وتعزيز مبادئ التعددية والتسامح والعيش المشترك.
ولم تكن هذه المشاركة الملكية مجرّد حضور بروتوكولي، بل إنها تأكيد على التزام المملكة العميق بالتصدي لخطابات الكراهية وبناء جسور التفاهم بين الشعوب والأمم، في عالم تتزايد فيه مظاهر الانقسام والتعصب.
وفي الوقت الذي يشهد العالم فيه تصاعدا في حملات التحريض على الأديان والكراهية عبر العديد من المنابر الإعلامية والسياسية، يؤكد الأردن من خلال حضوره، في مثل هذه اللحظات التاريخية، أن الدفاع عن قيم الرحمة والتسامح والحوار ليس خيارا ظرفيا بل هو جزء أصيل من هويته السياسية والثقافية.
وعبر هذه الزيارة، تبرز أهمية استحضار الرسائل الملكية التي لطالما دعت إلى إعادة الاعتبار لروح الإنسانية الجامعة، وترسيخ قناعة راسخة بأن السلام العالمي لا يتحقق إلا عبر احترام التنوع الديني والثقافي، وقبول الآخر دون تمييز أو إقصاء.
دعوات من أجل السلام
وفي هذا الصدد اعتبر مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، الأب رفعت بدر، أن مشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله في مراسم تشييع البابا فرنسيس، يأتي استمرارا لمسيرة من العلاقات المميزة بين الأردن والكرسي الرسولي.
وأضاف بدر إن هذه المشاركة الملكية 'تذكرنا بحضور جلالتهما جنازة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 2005، الذي أصبح لاحقا قديسا في الكنيسة الكاثوليكية، ما شكّل آنذاك حدثا بارزا يعكس عمق العلاقات مع الفاتيكان'.
واللافت في وداع البابا فرنسيس، بحسب الأب رفعت بدر، أن فترة خدمته تزامنت بأكملها مع عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وشهدت نشوء صداقة شخصية بين الطرفين.
وأكد أن البابا عبّر مرارا عن تقديره الكبير لجلالته، مشيدا بدعواته الدائمة إلى تحقيق السلام.
وقال: 'كان من أبرز هذه الإشادات خلال زيارة البابا فرنسيس إلى الأردن عام 2014، حين وصف الملك بأنه (رجل سلام)، وهو ذات الوصف الذي كرّره خلال رحلة عودته من آسيا في العام الماضي، داعيا العالم إلى الإصغاء إلى صوت الملك عبدالله الثاني'.
وتابع الأب بدر: 'هذا التقدير انعكس أيضا في التعاون الوثيق بين الأردن والفاتيكان في قضايا أساسية، أبرزها حماية المقدسات في القدس الشريف، استنادا إلى الوصاية الهاشمية، وإلى الرعاية الكاثوليكية التي يمثلها الفاتيكان'.
وأشار إلى أن مواقف البلدين اتسمت بالاتفاق المستمر على الدعوة إلى وقف إطلاق النار الفوري، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلى جانب السعي لإيجاد حل شامل ودائم لقضية السلام في الأرض المقدسة.
الحج المسيحي نحو الأردن
وعلى صعيد السياحة الدينية، قال بدر إن الجهود هذا العام توجت بتنظيم معرض أردني في الفاتيكان تحت شعار 'الأردن.. فجر المسيحية'، استمر لمدة شهرين، كما شهد هذا العام تدشين كنيسة المعمودية في المغطس على يد مندوب قداسة البابا الكاردينال بييترو بارولين، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، لتصبح معلما بارزا في مسار الحج المسيحي نحو الأردن.
وأضاف: 'لا يمكن إغفال الدور الريادي الذي اضطلع به الأردن في تعزيز الحوار الإسلامي-المسيحي، حيث أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني، العديد من المبادرات العالمية في هذا المجال، وقد كان مؤتمر الدفاع عن المسيحيين في الشرق، الذي عُقد في عمّان عام 2013 برعاية ملكية، محطة بارزة، شارك فيها ممثل قداسة البابا، الكاردينال توران'.
وشدد الأب رفعت بدر على أن حضور جلالة الملك وجلالة الملكة مراسم وداع البابا فرنسيس أمس السبت، يؤكد متانة الصداقة الأردنية-الفاتيكانية، ويفتح الآفاق نحو مزيد من التعاون المستقبلي، خاصة مع انتخاب بابا جديد، حيث من المتوقع أن يكون الأردن من أوائل المهنئين والداعمين لاستمرار هذه الشراكة التي ترتكز إلى قيم إنسانية ودينية نبيلة.
رسالة تسامح عابرة للأديان
إلى ذلك، قالت مديرة في مركز وعي لتدريب حقوق الإنسان المحامين تغريد الدغمي، إن مشاركة جلالة الملك وجلالة الملكة في جنازة قداسة البابا فرنسيس جاءت لتجسد رسالة عميقة تؤكد أن الإسلام وكافة الديانات السماوية تلتقي في قيم السلام والعدل والإنسانية.
وأوضحت الدغمي أن هذه المشاركة تعبر عن موقف ثابت لطالما حمله الهاشميون في إبراز الصورة الحقيقية والمشرقة للإسلام كدين تسامح ورحمة وعدل، بعيدا عن مظاهر التطرف والكراهية والعنصرية.
وأضافت: 'شكّل حضور جلالتهما في وداع البابا فرنسيس موقفا إنسانيا ورسالة حضارية موجهة للعالم أجمع، مفادها أن الحوار بين الأديان والتلاقي على قاعدة الإنسانية المشتركة يشكلان حجر الأساس لبناء عالم أكثر سلاما وعدلا'.
وتابعت الدغمي: 'تأتي هذه الخطوة تأكيدا لدور الأردن، بقيادة الهاشميين، في تعزيز قيم الوسطية والاعتدال، وترسيخ مبادئ العيش المشترك بين أتباع الديانات المختلفة'.
واعتبرت أن البابا فرنسيس، الذي فقده العالم مؤخرا، كان شخصية استثنائية تركت أثرا عالميا بارزا في الدفاع عن قضايا العدالة وحقوق الإنسان ونشر قيم الأخوة الإنسانية، مبينة أنه 'كان رمزا للنقاء الأخلاقي والحكمة والتواضع، وصوتا داعيا للسلام في عالم يموج بالصراعات والانقسامات. ومن خلال مبادراته العديدة، مثل وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها مع شيخ الأزهر في أبوظبي عام 2019، رسخ قداسته مبادئ الحوار بين الأديان والثقافات، ساعيا لبناء جسور التفاهم والتعاون'.
علاقات ثنائية متينة
وأشارت الدغمي إلى أن علاقات الفاتيكان بالأردن لطالما اتسمت بالاحترام المتبادل والتعاون الوثيق، خاصة في ما يتعلق بحماية المقدسات في القدس، حيث يشكل الدور الأردني الهاشمي في رعاية الأماكن الإسلامية والمسيحية جزءا أساسيا من التفاهم التاريخي بين الجانبين.
وبينت أن مشاركة الملك والملكة في هذه اللحظة الإنسانية تعزز مرة أخرى المكانة الأخلاقية للأردن كلاعب محوري في الدفاع عن القيم الإنسانية الجامعة، وترسخ صورة المملكة كمنارة للحوار والسلام في منطقة تكتنفها التحديات، كما أنها بمثابة دعوة متجددة للعالم للتمسك بروح التسامح ونبذ الكراهية والعمل معا من أجل مستقبل تسوده العدالة والكرامة لكل بني البشر.
رسائل ملكية
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية، الدكتور بدر الماضي، أن زيارة جلالة الملك تحمل أبعادا ورسائل بالغة الأهمية، حيث يسعى جلالته باستمرار إلى إيصالها إلى الداخل الأردني، وإلى الإقليم والمجتمع الدولي.
وأوضح الماضي أن العلاقة الشخصية التي جمعت جلالة الملك بالبابا فرنسيس اتسمت بعمق الصداقة والتقدير، مشيرا إلى أن الأردن يثمّن مواقف الفاتيكان والكنيسة بقيادة البابا الراحل، التي كانت دوما محط احترام وتقدير على المستويين الرسمي والشعبي.
وأضاف إن الأردن يبعث من خلال هذه المشاركة الملكية، رسائل واضحة تؤكد ترحيبه الدائم بتعزيز العلاقات بين الدول، وكذلك بتعميق أواصر الحوار بين الأديان.
وتابع الماضي: 'كما أن هذه الرسائل موجهة إلى الداخل الأردني، لترسيخ حقيقة أن الأردن بُني على أسس التعايش السلمي واحترام جميع الديانات، وهو مبدأ أصيل تتبناه الدولة الأردنية والقيادة الهاشمية'.
وأوضح أن جنازة البابا الراحل، رغم طابعها الديني والجنائزي، لا تخلو من أبعاد سياسية، إذ يحرص الأردن على الحضور في مثل هذه المحافل الدولية، بما يعكس مكانته كدولة تحظى بالاحترام والتقدير بفضل سياساتها المعتدلة وحكمة قيادتها.