اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
غياب الوعي الجامعيّ
أزهر الطوالبة
تابعتُ الكثير من التّعليقات على ما جرى في الجامِعة الأردنيّة وفرع مِن فروع جامِعة البلقاء التطبيقيّة. ولا أُبالِغ إن قُلتُ بأنّ ما قرأتُه، أصابَني بحالةٍ من السّوء واليأس، اكثَر ممّا أُصبتُ به بسبب المُشكِلتَين الجامعيّتَين. فقد ذهَبت الكثير من التّعليقات إلى تحميلِ العشائر والقُرى أغلَب الأسباب المُسبّببة لمثلِ هذه المشاكِل، متناسِية تراجُع المستوي العلميّ في جامعاتنا، ومدى ما تلعبهُ المحسوبيّات والواسطات ليس في المقاعِد التخصّصية الّتي يحصُل عليها من لا يستحقّها فحَسب، بل يمتَد الأمر إلى تعيينات أعضاء هيئة التّدريس، الّتي تفتَقد للمعايير العلميّة الواضِحة، القائمة على المُفاضَلة.
ومِن هُنا، فإنَّ ما جرى في الجامعة الأردنية، وقبلها في جامعة البلقاء التطبيقية، لا يمكن التعامل معه كحادثٍ طلابيّ عابر أو كتصرفٍ انفعاليّ من مجموعةٍ محدودة من الطلبة. هذه الأحداث، بتكرارها وتزايد حدّتها، تشير إلى خللٍ أعمق في البيئة الجامعيّة الأردنية، وفي المناخ الاجتماعي الذي ينعكس عليها. فحين تتحوّل الجامعة ـ وهي الفضاء الطبيعي للعقل والبحث والنقاش ـ إلى ساحة صِدامٍ وعنفٍ لفظيّ وجسديّ ؛ فإنّنا أمام أزمة قيمٍ وسلوكٍ وتربية، لا أمام 'مشاجرةٍ طلابية' عادية. الأخطر من ذلك، أنّ هذه الحوادث لم تعد تبقى ضمن جدران الجامعة، بل تُستغل فورًا من قبل من يقتاتون على الفتن عبر وسائل التواصل، فيُلبسونها لبوس العصبيّة العشائريّة، ويحاولون تشويه صورة المجتمع الأردنيّ من خلال بثّ سردياتٍ تُسيء للعشائر وتختزلها في سلوكٍ فرديّ أو موقفٍ طائش.
هذه الظاهرة في جوهرها تعبّر عن غياب 'الوعي الجامعي' لا عن حضور 'العشيرة'. فالعشائر كانت تاريخيًا عماد الاستقرار وبناء الدولة، وهي أبعد ما تكون عن ثقافة العنف والفوضى. لكن، حين يغيب الانتماء للمؤسسة الأكاديمية، ويضعف الإحساس بالمسؤولية الفردية، يصبح الانتماء المشوَّه ـ القائم على الفزعة أو العصبية ـ بديلاً مريضًا للوطنية الأصيلة. وهنا يظهر دور من يُشعل النار في الهشيم: حساباتٌ مأجورة، وأصواتٌ تبحث عن جمهورٍ بأي ثمن، ومشاريع إعلامية تروّج للفُرقة لتكسب التفاعل. هؤلاء لا يعنيهم إصلاح ولا عدالة، بل يسعون إلى ضرب النسيج الاجتماعي الأردنيّ من بوابةٍ رمزية اسمها 'الجامعة'.
أمّا من حيث المسؤولية، فلا بدّ من الاعتراف بأنّ الجامعات ومؤسسات التعليم العالي لم تعد تكتفي بالتعليم الأكاديمي فقط، بل صارت مطالبة بتربية المواطنة. لذلك، فإنّ الحلّ لا يكمن في العقوبات الانفعاليّة وحدها، بل في بناء منظومةٍ تربويّةٍ متكاملة داخل الحرم الجامعي:
أولًا، عبر تطبيق أنظمة انضباطٍ عادلة وواضحة تُنفّذ دون تمييز، بحيث يشعر الطالب أنّ العدالة حاضرة لا الغلبة.
ثانيًا، بتفعيل برامج التوجيه النفسي والاجتماعي والأنشطة الطلابية التي تُعيد تشكيل العلاقة بين الطالب وجامعته.
ثالثًا، بإنشاء وحدات متخصّصة في إدارة الأزمات الطلابية، تكون مهمّتها احتواء الخلاف قبل أن يتحوّل إلى عنف.
ورابعًا، بتدريب عناصر الأمن الجامعي على التعامل الحضاري والوقائي، لا القمعيّ أو الارتجالي.
أما على المستوى الوطني، فإنّ وزارة التعليم العالي مطالَبة اليوم بوضع استراتيجية متكاملة لتعزيز ثقافة الحوار والمسؤولية المدنية داخل الجامعات، بالتعاون مع وزارتيّ الداخليّة والإعلام. وعلى المنصّات الرقميّة، يجب وضع ضوابط قانونيّة وأخلاقية تحدّ من نشر الفيديوهات التحريضية أو الخطابات المسيئة للعشائر أو المناطق.
الأردن لا يفتقر إلى القوانين ولا إلى الوعي، بل يحتاج إلى تفعيلهما معًا. فالحفاظ على هيبة الجامعات لا يكون بالردع فقط، بل ببناء ثقافة الانتماء للعلم والعقل. وما لم ندرك أنّ هذه المشاجرات هي عرضٌ لمرضٍ اجتماعيّ أعمق، سنظلّ نُطفئ الحريق بعد اشتعاله. الحلّ الحقيقي يبدأ حين نزرع في عقول الطلبة أنّ الجامعة بيتٌ للوطن، لا ساحةٌ للصراع.
مُلاحظة: قرأتُ تعليقات كثيرة، أساءَت إلى القُرى، ومَن خرجوا منها. وحقيقةً، مثل هؤلاء ليسَ لهُم إلّا أن 'يزبلوا' ويُتركوا لتصاريفِ الأيّام. فالقُرى ومَن يسكُنها أكبَر من الرّد على مثلِ هؤلاء، الّذينَ يعانونَ شرخًا وطنيًّا كبيرًا، ولا يُدرِكونَ قيمة القُرى في معاييرِ الوطنيّة.












































