اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٣ حزيران ٢٠٢٥
فجر الجمعة، صحا العالم على تطور دراماتيكي خطير حين شنّ الكيان الصهيوني هجومًا جويًا مباغتًا على مواقع نووية وعسكرية حساسة في عمق الأراضي الإيرانية، وفي مقدمتها العاصمة طهران ومنشأة نطنز الاستراتيجية. العملية، التي وُصفت بأنها الأوسع من نوعها منذ سنوات، لم تكن مجرد غارة جوية، بل إعلان غير مباشر عن الدخول في مرحلة جديدة من الصراع بين طهران وتل أبيب، قد لا تقتصر تداعياتها على البلدين فحسب، بل تهدد بإشعال المنطقة برمتها.
الكيان الصهيوني، الذي تبنّى العملية علنًا عبر خطاب لرئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، أعلن أن الضربات استهدفت ما أسماه 'قلب البرنامج النووي الإيراني' ومنشآت تطوير الصواريخ الباليستية، إضافة إلى اغتيال علماء بارزين بينهم فريدون عباسي ومهدي طهرانجي. بل أن العملية شملت اغتيال رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري، فيما أصيب مستشار المرشد الأعلى علي شمخاني بجراح بالغة.
العملية التي أطلق عليها الكيان اسم 'الأسد الصاعد'، نفذتها عشرات الطائرات الحربية في غضون دقائق، وهو ما أكده مصدر أمني إسرائيلي بقوله: 'نفذنا في 10 دقائق ما استغرق منا 10 أيام ضد حزب الله'.
رد فعل إيران الرسمي لم يتأخر. فقد خرج المرشد الأعلى علي خامنئي بتصريحات نارية أكد فيها أن 'الكيان الصهيوني ارتكب جريمة آثمة'، متوعدًا بـ'عقاب شديد'، وواعدًا بأن 'ذراع القوات المسلحة الإيرانية لن تتركه دون ردّ'. كما أعلن استشهاد عدد من العلماء والقادة، لكنه شدد على أن خلفاءهم سيواصلون المهام دون تردد.
تزامنًا مع ذلك، رفعت إيران حالة الاستنفار القصوى، وبدأت بتقدير أضرار العدوان، وسط تأهب للرد العسكري. وفي المقابل، أغلق الكيان الصهيوني مطار بن غوريون واستدعى عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، تحسبًا لردّ إيراني قد يشمل إطلاق مئات الصواريخ من عدة جبهات، ليس من طهران فقط، بل عبر حلفائها الإقليميين مثل حزب الله والحوثيين والفصائل المسلحة في العراق وسوريا.
ضربات فجر الجمعة لا تمثّل فقط تصعيدًا في المواجهة بين خصمين تاريخيين، بل تهدد بإشعال فتيل حرب إقليمية مفتوحة. إغلاق الأجواء العراقية، وتحويل مسار الرحلات من تل أبيب إلى مطار لارنكا في قبرص، وتعليق الطيران في مطار الإمام الخميني بطهران، كلها مؤشرات على أن المنطقة دخلت في حالة تأهب قصوى.
الأسواق العالمية لم تكن بعيدة عن التأثر، حيث ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 6% فور الإعلان عن الضربات، فيما تراجعت مؤشرات أسواق المال الآسيوية، ما يعكس قلقًا عالميًا من تداعيات استمرار التصعيد، خصوصًا إذا ما طالت خطوط الملاحة في الخليج أو مضيق هرمز.
ما يثير القلق أكثر هو الدور المتنامي للموساد، الذي قاد وفق تقارير إسرائيلية 'عمليات تخريب موازية' داخل إيران بالتزامن مع الضربات الجوية. هذه الحرب الخفية التي ظلت لعقود تدور في الظلال، باتت الآن علنية وصريحة، وهو ما يرفع سقف المواجهة إلى مستويات غير مسبوقة.
تصريحات المسؤولين الأمريكيين، الذين أكدوا أن العملية كانت 'قرارًا إسرائيليًا مستقلًا' رغم التنسيق المسبق مع واشنطن، تشير إلى رغبة أمريكية في النأي بالنفس عن التصعيد، في وقت تُوجّه فيه الأنظار إلى رد الفعل الإيراني.
السؤال المطروح الآن ليس ما إذا كانت إيران سترد، بل متى وكيف. الرد الإيراني قد يأتي عبر وكلاء، أو بشكل مباشر، وقد يمتد إلى ضربات صاروخية تطال عمق الكيان الصهيوني أو مصالحه في الخارج. أما السيناريو الأخطر، فهو انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة، تشمل لبنان، سوريا، العراق، وربما ساحات أبعد.
في ضوء ما جرى، بات واضحًا أن فجر الجمعة لم يكن مجرد حدث عسكري، بل لحظة مفصلية تعيد رسم خريطة التوازنات في الشرق الأوسط، وتدفع القوى الدولية إلى مراجعة حساباتها، في ظل خطر محدق قد يحول المنطقة إلى بؤرة نزاع لا يمكن احتواؤه بسهولة.