اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٠ حزيران ٢٠٢٥
هآرتس: عندما تتحول 'حفاضات الاطفال' الى تهديد استراتيجي لاسرائيل! #عاجل
ترجمة - هآرتس *
يا لها من عملية جريئة! لقد تمكن مقاتلونا 'الأبطال'، على الرغم من كل الصعاب، من السيطرة على سفينة تحمل مجموعة من دعاة السلام الأوروبيين وعدداً من أكياس الدقيق. وفي الأمس، كتب وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس: 'أثني على الجيش الإسرائيلي على السيطرة السريعة والآمنة،' وكأن الأمر يتعلق بعملية إنتيبي [عملية إنقاذ الرهائن الإسرائيليين في مطار إنتيبي في سنة 1976].
وسط سيل من الشعارات الوطنية والنكات المبتذلة التي أُغرِق فيها الموضوع، كان من الصعب العثور على تفسير منطقي لقرار اعتراض سفينة المساعدات. ماذا كان سيحدث لو سُمِح لـ'مادلين' بالوصول إلى غزة؟ لقد كانت تحمل كمية ضئيلة من حليب الأطفال والدقيق والأرز والحفاضات ('أقل من شاحنة مساعدات واحدة،' علقت وزارة الخارجية بسخرية، وكأن غريتا تونبرغ ورفاقها هم المسؤولون عن تجويع القطاع). كانت إسرائيل تعلم جيداً ما تحمله السفينة، ولهذا السبب بالتحديد، منعت وصولها. لقد كان الخطر الحقيقي ليس كسر الحصار، بل تشويه السردية.
إن الهدف الذي أُرسل الجيش لإحباطه في قلب البحر الأبيض المتوسط لم يكن اختراقاً لوجستياً، بل كان اختراقاً للوعي: الاحتمال الصادم ليرى أحد، في مكان ما، الفلسطينيين كبشر يعانون، وليس 'كوحوش' أسطورية. الحكومة وصفت الرحلة البحرية إلى غزة بأنها 'استفزاز إعلامي'، وفعلاً، كانت محاولة يائسة محكومة بالفشل، لجذب انتباه العالم إلى المجزرة الجارية في غزة. وإذا قيل إنه مجرد عمل رمزي - فهو كذلك، مثل العديد من أفعال المقاومة الرمزية الأُخرى: مثل الوقوف أمام الدبابات في ساحة 'تيان آن من'، ومثل القبضة المرفوعة في مراسم توزيع الميداليات الأولمبية، وكرفع صور الأطفال القتلى خارج القواعد العسكرية.
في مواجهة 'التهديد الاستراتيجي' المتمثل في إرسال حفاضات إلى أطفال غزة، أخرجت دولة إسرائيل جميع مدافع الدعاية. وأطلقت وزارة الخارجية على سفينة المساعدات اسم 'يخت السيلفي'، في محاولة بائسة لتصوير الناشطين المصممين الذين أبحروا على متنها كمجموعة من المؤثرين المدللين الباحثين عن الانتباه. أمّا الوزير كاتس، فاختار اعتماد النهج التربوي المجرّب لفيلم 'البرتقالة الآلية' [نسبةً إلى فيلم ستانلي كوبريك الشهير]، وأمر الجيش الإسرائيلي بعرض 'فيلم الرعب' ليوم 7 أكتوبر على الناشطين. ومن حُسن حظه، لا أحد يجبره على مشاهدة أفلام الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة، لكن ربما آن الأوان.
'سينماتك الرعب' الخاص بكاتس يقوم على الوهم بأن الناشطين الذين خاطروا بحياتهم في رحلة بحرية إلى غزة ليسوا على دراية كافية بما فعلته 'حماس'، وأنه إذا ضخّ لهم بعض المشاهد في الأوردة، فسيتحولون إلى صهاينة معتدلين. لكن هؤلاء شاهدوا يوم 7 أكتوبر ومشاهد أُخرى. لقد رأوا جثثاً ممزقة تتطاير في الهواء، وأشخاصاً يحترقون في خيام النازحين، وكيف تحولت مدن كاملة إلى أنقاض، ورأوا أطفالاً يحتضرون من الجوع والمرض. وبخلاف الفهم المشوّه السائد لدينا، فهُم ببساطة لا يعتقدون أن مذبحة بحق مئات المدنيين [الإسرائيليين في 7 أكتوبر] تمنحنا شيكاً مفتوحاً للتطهير العرقي وجرائم الحرب والإبادة الجماعية بلا قيود.
إسرائيل منعت السفينة للسبب نفسه الذي من أجله ترفض السماح للصحافيين الأجانب بدخول غزة: لأنها تعرف جيداً ما الذي تفعله هناك، وتفضّل أن يبقى العالم صامتاً. هذه السفينة الصغيرة أصبحت خطراً على 'السلام العام'، ليس بسبب صناديقها القليلة، بل بسبب القيم السامية التي جسدتها: الرحمة، والإنسانية، والتضامن، ورفض إغماض العينين في مواجهة الشر. وفي دولة غارقة في مستنقع التبرير الذاتي والشعور بالمظلومية، تمثل هذه الأفكار تهديداً وجودياً حقيقياً.
* يوعانا غونين