اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
لم نعد نعرف أنفسنا، أو الوجه الآخر لمعاناة الناس في الباطن والعلن. حينما يتصل المحتاج عبر الإذاعات يطلب أجراً لمنزله المكسور عليه منذ أشهر، وحينما يقف أمامك أشخاص في الطريق يقولون لك: 'أعطني من مال الله'، ومن الناس من يقفون على أبواب الجمعيات الخيرية، والبؤساء الذين يبكون من أجل الدينار. نعلم جيداً حجم الفقر في وطننا الحبيب، ونعلم أن هناك بطالة ومرض، لكن نعلم أكثر الوجه الآخر حتى لا نظلمه.
بكل أسف، هذا الوجه ننصدم من تصرفاته. بعض الناس يشتكون كثيراً في القرى والمخيمات والمحافظات من الفقر الذي نعرفه، لكن ما نراه عجب العجاب. هل معقول أن في حفل زفاف يوزع الخمر على الضيوف في مجتمع عادي جداً وليس في فندق خمس نجوم وليس من طبقة الأغنياء؟ هل المجتمع لهذه الدرجة يعيش مستوى متطور من الكيف وبنفس الوقت يعيش الفقر والقلة وكثير الشكوى؟ نسمع كثيراً جملة 'في ناس مش ملاقية خبز توكله' أو عليها فواتير ماء وكهرباء، وأيضاً نرى من الوجه نفسه عاطلين عن العمل أو بأجر يومي يتعاطون المخدرات والممنوعات ونسأل: هل يحتاج هذا إلى المال؟ بل يحتاج المال الكثير، لكن من أين؟ الذي زاد من الجرائم والقتل والأتوات فقط لكي يتناول ذلك السم، وآخر ضحية لذلك الإجرام كان الأسبوع الماضي. بل الأبلغ من ذلك والأبسط، أن مشتري الدخان وأبنائه لا يجدون ملبسًا ومأكلًا. الأولى لهم بذلك المصروف اليومي، بل قد يتذمرون من الفقر أمام كل المسؤولين. وحينما نسأل هذه الحكومات: متى جاء الوقت لتنظر إلى الفقراء؟ ولكن لربما حكوماتنا ما تراه من زاوية أخرى هو أنه ليس هناك فقر من التصرفات هذه.
أوجه كثيرة غيرت معالم وجه الأردني البسيط الذي اختلف عن السابق، حينما كان المجتمع المحافظ يتعيش على قلة الموارد لكنه يبني ويزوج ويكون عائلة، ولكنه لا يشتكي من الفقر بل يشعر بالاكتفاء، ويقول: الحمد لله.
ونعود ونقول نحن في الحاضر، حاضر مؤلم لم يعد يسيطر فيه الآباء على الأبناء، حينما تطاع الرغبات على المواعظ والدين والاستقامة. حينما يذهب الجميع إلى المسجد ويتأمل في الخطبة ويعود كما ذهب، وحينما يذهب إلى المدرسة والجامعة ليتلقى العلم والتهذيب والأخلاق، لكن تنصدم بتكوين شخصية مختلفة عما يتمناه الآباء. معقول نحتاج إلى أدوات متطورة ومختلفة أخرى للردع لكي نتعامل مع هذا الجيل الذي يبحث عن الحرية بمنظوره فقط، بل لكي يدرك قيمة المستقبل لكل إنسان لكي لا يندم على شبابه، لكن بكل أسف نجده يركض وراء تشوهات المجتمع الجديدة ويقبل بها. ونعود ونقول: إذا ما تغيرت أدوات الضبط لهذا المجتمع، سنصبح على كارثة أخلاقية قاتلة لكل العادات والتقاليد والدين الذي تربت عليه أجيالنا. ويريده الشباب الحاضر لكن بشكل مختلف، يريد أن يصيغه حسب أهوائه، يبنيه حسب معتقداته. لا حرام يقال فيه ولا حلال يتمسك به. فمن يرضى أن يخوض في حياة المخدرات وشرب الكحول ستصبح في يوم من الأيام أمراً طبيعياً، يعيشه إنسان عادي في الشارع وبكل الأماكن. لكن يبقى: هل فعلاً نحن مجتمع يوجد منّا فقير؟ فقير يبحث عن الكيف والمزاج والخضوع إلى التهلكة. نتمنى أن نحافظ على الفقر الذي نعرفه وأن هناك منازل مستورة عفيفة فعلاً تحتاج منا إلى المساعدة بدون أي تشويه لكي تراها الحكومات جيداً.