اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٤ حزيران ٢٠٢٥
تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وتحديدًا مع احتمالية هجوم إسرائيلي على المشروع النووي الإيراني، ما يضع الأردن في قلب معادلة معقدة، باعتباره دولة ذات موقع جيوسياسي حساس، يعتمد بشكل كبير على الاستقرار الإقليمي لاستدامة اقتصاده المفتوح، تواجه المملكة تحديات كبيرة تتطلب استراتيجيات استباقية وفعالة للحفاظ على نموها واستقرارها المالي.
يعتمد الأردن على واردات الطاقة بشكل شبه كامل، حيث تصل فاتورة النفط والغاز إلى أكثر من 4 مليار دولار سنويًا، وهو ما يشكل حوالي 20% من إجمالي الإنفاق الحكومي، أي تصاعد في أسعار النفط - والتي قد ترتفع بسهولة فوق 120 دولارًا للبرميل في ظل التوترات – سيزيد العبء المالي بشكل ملحوظ، مهددًا بارتفاع معدلات التضخم التي ستتجاوز 5%، ما يفاقم معاناة الأسر ويضغط على القطاع الخاص.
إلى جانب ذلك، تؤثر التوترات على سلاسل التوريد العالمية، مما يرفع تكاليف الشحن والتأمين، ويؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة بنسب قد تصل إلى 10-15%، لا سيما المواد الغذائية والأدوية، التي تمثل ما يقارب 40% من استهلاك السوق المحلية، هذا الأمر يقلص القوة الشرائية ويحد من النمو الاقتصادي المتوقع البالغ 3% هذا العام.
في مواجهة هذه التحديات، يبرز أهمية بناء مخزون استراتيجي من الوقود يكفي لتغطية الاستهلاك المحلي لمدة 4-6 أشهر، لضمان استمرارية الخدمات الحيوية وتخفيف التقلبات السعرية، إلى جانب ذلك، لا بد من تعزيز الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي، والتي تبلغ حاليًا نحو 23 مليار دولار، كإعادة جدولة ديون قصيرة الأجل لتقليل السحب الفوري من الاحتياطي،
أو طلب منح ومساعدات مباشرة من دول الخليج (خاصة السعودية والإمارات وقطر)، بهدف الحفاظ على استقرار الدينار الأردني وحماية ميزان المدفوعات من الصدمات الخارجية.
كما يجب توسيع آفاق التنويع في مصادر الاستيراد، عبر تعزيز التعاون مع دول مثل تركيا ومصر والهند، والاعتماد أكثر على الإنتاج الزراعي المحلي الذي يغطي حاليًا حوالي 60% من الاحتياجات الغذائية الأساسية، دعم هذا القطاع الحيوي سيخفف الاعتماد على واردات معرضة للمخاطر في أوقات الأزمات.
دبلوماسيًا، تحتاج الأردن إلى الحفاظ على موقف محايد يضمن عدم تورطها في النزاعات، مع التركيز على تعزيز صورتها كمركز استقرار ووجهة آمنة للاستثمار والسياحة، هذا المسار يعزز ثقة المستثمرين الذين يشكلون حوالي 30% من تدفقات رأس المال الأجنبي المباشر في الأردن.
في ظل احتمالية استمرار التوتر لفترات طويلة، يصبح من الضروري توسيع برامج الحماية الاجتماعية، وتطوير آليات دعم مستهدفة، مثل التحويلات النقدية المباشرة للفئات الأكثر تضررًا، مع الحفاظ على استدامة المالية العامة، يعاني الأردن من مستويات بطالة تقارب 20%، وهو ما يتطلب اهتمامًا خاصًا لضمان عدم تفاقم الأوضاع الاجتماعية.
أخيرًا، يتعين على الأردن تسريع التحول إلى الطاقة المتجددة، حيث تمتلك مشاريع كبيرة في الطاقة الشمسية والرياح تقدر بقدرات إنتاج تتجاوز 2.5 جيجاواط، مما يخفف الاعتماد على الطاقة المستوردة ويخفض فاتورة الطاقة السنوية بشكل مستدام.
في الختام، لا يمكن للأردن أن يظل مكتوف الأيدي أمام تهديدات إقليمية متزايدة، الاستعداد الاقتصادي المبكر والمخطط له هو السبيل الوحيد لحماية الاقتصاد الوطني، وضمان استمرارية التنمية، والحفاظ على استقرار حياة المواطنين في وجه المتغيرات الجيوسياسية.