اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ٥ حزيران ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
لم يعرف الزمان يوماً تتجلّى فيه العظمة الإلهية كما تتجلّى في يوم عرفة، اليوم الذي جعله الله الملك الأوحد صلة بين الأرض والسماء و ساحة للإيمان والدعوة، ومشهداً من مشاهد الخضوع والرجوع، حيث تصعد الأرواح من الأرض إلى السماء، وقد تطهّرت من أدران الحياة، وتحررت من شوائب الدنيا، لترتقي في أجواء من الروحانية الخالصة، استجابة لنداء الله الخالد ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾.
في عرفات، حيث الزمان أعظم ما يكون، والمكان أطهر ما يكون، والموقف أجلّ ما يكون، يتجرد الإنسان من ملبسه وزينته، ويتساوى مع أخيه الإنسان لا فرق بين غني وفقير، ولا بين أمير وأسير، ولا بين أبيض وأسود، فالجميع وقوف بين يدي المولى جلّ وعلا، أملهم واحد، ودعاؤهم واحد، وقلوبهم إلى السماء مرفوعة برجاء الغفران والقبول.
يوم عرفة فيه تجسيد حيّ لمعاني التوحيد، ففيه يصدح البشر بلا تمييز بالتلبية: 'لبيك اللهم لبيك'، متحررين من العصبيات، نابذين كل ما يفرقهم، ساعين إلى وحدة لا تقوم إلا على الإيمان، ولا يُشاد عليها إلا بالتقوى، تحقيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: 'لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.'
هذا اليوم العظيم هو صورة مصغرة ليوم الحشر، لكنه يوم للرحمة لا للحساب، يوم تغمر فيه النفحات الإلهية عرفات، ويغشى فيه الطمأنينة أفئدة الحجيج، تذكيراً للناس بأن الأرض التي نزل فيها الوحي، وبُعث منها محمد صلى الله عليه وسلم، هي منبع النور ومهد الرسالة، وأن هذا الدين الذي بدأ برجل مطارد مضطهد، صار اليوم نورًا يهدي البشرية.
أراد الله هذا اليوم العظيم أن يكون درسًا خالدًا في المساواة والعدل، وفي التواضع والتجرد، وفي استذكار مسيرة الأنبياء، من إبراهيم الذي رفع القواعد من البيت، إلى محمد الذي بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، فكان الحج استحضارًا لتضحياتهم، وتأكيدًا على أن طريق الهداية محفوف بالتحديات، لكنه ممهَّد للمؤمنين الصادقين.
وكما قال العلّامة علي الطنطاوي: 'هناك في عرفات، تتنفس الإنسانية التي خنقها دخان البارود وحدود الدول، حيث لا سيد ولا مسود، ولا غني ولا فقير، بل عباد سواسية أمام ربهم.' فهل من مشهد أعظم من هذا؟ وهل من دعوة أبلغ في معناها وأعمق في دلالتها من هذا اليوم الجليل؟
في عرفات اليوم يجب أن يتجدد العهد مع الله، وتُستنهض الهمم لحمل الرسالة، وتُستحضَر قضايا الأمة، وعلى رأسها المسجد الأقصى، الجرح النازف في قلب الأمة، لتبقى القضية حيّة في ضمائر الموحدين.
فيا من شهِدت عرفات، ويا من شهدت عظمتها بقلبك، لا تخرج منها إلا وقد تطهّرت روحك، وعزمت على أن تكون لبنة في بناء أمة العدل، وأن تُحسن حمل أمانة التوحيد والرسالة.
اليوم تفرح السماء بالأرض.. اليوم يتباهى الله ربنا العظيم بعباده الذين جاؤوة من كل فج عميق طالبين العفو والمغفرة أمام ملائكته.
في هذا الموقف الأجل فلسطين ودرتها القدس ودماء أهل غزة يجب أن تكون حاضرة في الأذهان لأن الله كتب أن نصر الأمة هناك وكذلك الهزيمة.