اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة جراسا الاخبارية
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
على الرغم من التحركات النشطة واللقاءات المتلاحقة التي تشهدها عواصم إقليمية ودولية، فإن جهود الوساطة الرامية، للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف الحرب في غزة، ما تزال تراوح مكانها.
فالمسارات الثلاثة المطروحة، برغم زخمها الظاهري، تتحرك على نحو متواز ومنفصل، ما يعكس غياب التنسيق والتكامل بين الأطراف الفاعلة، ويُفقد العملية التفاوضية، أي قوة دفع حقيقية باتجاه تسوية شاملة أو حتى جزئية.
وأشارت صحيفة 'هآرتس' العبرية اليسارية في تقرير لها أمس، إلى أن المسار الأول تقوده مصر وقطر، وقد انضمت إليه أخيرًا تركيا، في إطار وساطة تقليدية تستند للعلاقة المباشرة مع حركة المقاومة الإسلامية - ' حماس '.
وقد استضاف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وفدًا من حماس برئاسة محمد درويش، في خطوة فسّرتها بعض الأوساط، بأنها محاولة لكسر الجمود وتفعيل القناة الإقليمية التقليدية التي نجحت سابقًا في إبرام تفاهمات محدودة.
أما المسار الثاني، فتتولاه الولايات المتحدة الأميركية، عبر مبعوثها ستيف ويتكوف، في محاولة لصياغة مقترحات أكثر مرونة، تستجيب لمخاوف الطرفين؛ غير أن هذا المسار يتأثر بمناخ الانتخابات النصفية المرتقبة في العاصمة الأميركية واشنطن، إذ بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب حذرًا في تصريحاته، برغم نبرته التهديدية تجاه ' حماس '.
في حين يتحرك المسار الثالث بقيادة سعودية- فرنسية مدعومة أوروبيًا، في اتجاه مختلف تمامًا، إذ يسعى لطرح حل سياسي، يتضمن اعترافًا بدولة فلسطينية، وتشكيل إدارة جديدة لغزة من دون مشاركة ' حماس '، وهو ما يرفضه الكيان رفضًا قاطعًا، ويصفه بأنه 'مكافأة للإرهاب'.
الاحتلال يعيق التقدم في المفاوضات
من هنا، قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، إن الكيان يشهد انقساما حادا في المواقف حيال المسار التفاوضي بشأن غزة، بين تيار يميني متشدد يرفض أي توجه نحو التسوية السياسية، في مقابل أصوات داخل المؤسسة العسكرية خصوصا بين الجنرالات، تدفع باتجاه حل سياسي للخروج من الأزمة.
وأوضح أبو زيد، أن المعضلة الأساسية تكمن في أن أي قبول بالتفاوض في ظل حالة التراجع العسكري للكيان، مقابل تصاعد قوة المقاومة، يعد بمنزلة هزيمة أو فشل سياسي وعسكري للحكومة، وهو ما يفسر التصعيد المتواصل في خطابه الإعلامي، وارتفاع حدة التصريحات من قِبل وزراء فيه، كوزيري التراث والطاقة اللذين يطالبان باستمرار العملية العسكرية بأي ثمن.
وأضاف، أن قادة الكيان الصهيوني، يدركون بأن القبول بأي مسار تفاوضي من دون تحقيق نجاحات ميدانية ملموسة يمكن الترويج له إعلاميا، سيقوض موقفهم السياسي، كما أن فشل الحملات العسكرية الثلاث الأخيرة: 'السيوف الحديدية' و'الأسوار الحديدية' و'عربات جدرعون' في تحقيق أهدافها، يضاعف من مأزق الكيان ويضعف من أوراقه التفاوضية.
وعن المسارات الخارجية، يرى أبو زيد، أن الرغبة الإقليمية والدولية في الدفع نحو التسوية، ما تزال قائمة، ولا توجد مؤشرات حقيقية على محاولات لعرقلة التفاوض. مضيفا 'لكن التعقيدات الداخلية للاحتلال تلقي بظلالها الثقيلة على هذا المسار'، مبينا أن واشنطن لم تعد تلعب دور الوسيط المحايد، بل تحولت لمفاوض بالنيابة عن الاحتلال، وتسعى لإنقاذه من الورطة السياسية والعسكرية التي يواجهها، في ظل اهتزاز الائتلاف الحكومي اليميني.
ولفت إلى أن المبادرات الأميركية، باتت تركز على نزع سلاح المقاومة، كشرط أساسي للتسوية، في إطار تسوية تفصل على مقاس الكيان، مؤكدا أن غياب موقف موحد بين الفصائل الفلسطينية، خصوصا بين حركة فتح وباقي الفصائل المقاتلة في غزة، من أبرز معوقات التقدم في المفاوضات.
وبيّن أن السلطة الفلسطينية، تخشى من بروز المقاومة كطرف منتصر، لما لذلك من تداعيات سلبية على موقعها في الضفة الغربية. مشيرا إلى أن أركانا فيها يصدرون تصريحات تشوش على المسار التفاوضي، كمطالبة المقاومة بتسليم سلاحها أو تسليم الأسرى، أو حتى نقل الملف برمته للجامعة العربية، وهي طروحات تعكس رغبة ضمنية، في تفريغ المقاومة من مكاسبها السياسية والميدانية.
وشدد أبو زيد على أن المؤشرات الراهنة، لا تنبئ بحل عسكري حاسم، وإن الطريق الوحيد المتاح حاليا هو المسار الدبلوماسي، برغم ما يواجهه من عوائق داخلية لدى الفلسطينيين والكيان.
الحرب لتحقيق أهداف أيديولوجية
بدوره، رأى المحلل السياسي جهاد حرب، أن المسارات التفاوضية المتعلقة بقطاع غزة، تعيش حالة من الجمود، نتيجة التباين الحاد بين التوجهات الإقليمية والدولية، خصوصا بين المقاربة الأميركية المنحازة لسياسات الكيان والرؤية الدولية الأوسع التي تدفع باتجاه حل جذري للصراع.
وأوضح حرب، أن الولايات المتحدة تتبنى مقاربة تهدف للسيطرة على غزة بعد الحرب، إما عبر مؤسسات دولية أو بإقصاء الفلسطينيين عن أي دور في إدارة القطاع، وهو ما يتقاطع مع توجهات الاحتلال.
في المقابل، وفق حرب، يدعو التيار الدولي الأوسع لحل شامل ينطلق من إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، باعتبار ذلك السبيل الأمثل لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة العربية.
وفي تحليله لأسباب تعثر المفاوضات، حمّل حرب حكومة الاحتلال وتحديدا رئيسها المتطرف بنيامين نتنياهو؛ المسؤولية عن إفشال المسارات التفاوضية، مشيرا إلى أن الأخير يتبنى نهجين متوازيين: الأول يتمثل بإطالة أمد الحرب لضمان بقائه السياسي، وهو ما نجح بتحقيقه خلال العامين الماضيين، والثاني يتعلق بتحقيق أهداف أيديولوجية لحكومته اليمينية المتطرفة، تقوم على منع أي كيان سياسي فلسطيني يمتد بين النهر والبحر.
وأضاف، أن هذا التوجه يتجلى في السياسات الرامية للتطهير العرقي الممنهج، وفرض هيمنة عرقية يهودية على كامل الجغرافيا الواقعة بين النهر والبحر، وهو ما يفسر سعي الاحتلال المدعوم أميركيا، لتنفيذ عمليات تهجير واسعة من قطاع غزة، في سياق معركة ديموغرافية يسعى الاحتلال عبرها لتقليص عدد الفلسطينيين وزيادة التفوق السكاني اليهودي في المنطقة.
وأشار حرب، إلى أن أدوات هذا المشروع لا تقتصر على العمليات العسكرية، بل تمتد إلى وسائل غير مباشرة، من أبرزها التجويع والحصار في غزة، والقيود الاقتصادية والاجتماعية المشددة في الضفة، إضافة لتصاعد اعتداءات المستوطنين التي تدفع باتجاه التهجير القسري للسكان من مناطق 'ج' إلى 'أ' و'ب'.
وشدد على أن هذه الإستراتيجية، برغم أنها قد تستغرق وقتا أطول، لكن اليمين المتطرف في الكيان، يراها أداة ناجعة لترسيخ السيطرة على الأرض، وتفريغها تدريجيا من الوجود الفلسطيني، بما يخدم مشروعه الاستيطاني والتهويدي على المدى البعيد.