اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
خدمة 'كليك' بين مجانية الخدمة واستدامة النظام
د. عدلي قندح
خلال خمس سنوات فقط، تحوّلت خدمة «كليك» من تجربة تقنية إلى بنية أساسية دفعية وطنية تُحكم حركة السيولة اليومية في الأردن. هذا التحوّل لم يكن مجرد إدماج لتقنية جديدة، بل إعادة تركيب لمنطق المدفوعات نفسه: من اعتماد شبه مطلق على النقد إلى شبكة فورية رقمية تربط البنوك والمحافظ وتسهّل التحويلات على مدار الساعة. تتمثل قوة «كليك» في قدرتها على جعل التحويل البنكي لحظةً عادية في حياة المواطن والتاجر على حد سواء، ما يعزز الشمول المالي، يسرّع دوران الأموال، ويخفض تكلفة التعاملات الاقتصادية على المستوى الكلي.
أهمية هذه الخدمة لا تقتصر على السرعة فحسب؛ بل تمتد إلى بنيتها المؤسسية: نظام موحّد يقلل الحاجة إلى وسطاء متعددين، يربط نظم الدفع المحلية بمعايير مؤسسية موحّدة، ويُمكّن من تتبّع الحركات وتحسين إدارة السيولة. نتائج ذلك واضحة في توسّع قبول الدفع الإلكتروني في نقاط البيع، وفي اعتماد أعمال صغيرة ومتوسطة على القنوات الرقمية لتحصيل المدفوعات. وفي بلد تعمل فيه السيولة النقدية في كثير من المجتمعات كحلقة مركزية، فإن أي خفض للاعتماد على النقد ينعكس إيجابًا على كفاءة الاقتصاد الرسمي وقدرته على الإشراف والضبط.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن تشغيل مثل هذه البنية التحتية يتطلب موارد مالية وتقنية مستمرة: صيانة، تحديثات أمنية، تكاملات إقليمية، وتوافر دعم فني مستمر. من هنا جاء النقاش الأخير حول فرض عمولات على التحويلات التجارية داخل «كليك»، وهو نقاش مشروع إذا ما نُظر إليه من زاوية استدامة الخدمة وحماية جودتها. لكن مقبولية هذا الإجراء تتوقف على آليات التطبيق: التصميم الشفاف للرسوم، التدرج في التحميل، والحماية الممنهجة للتجار الصغار والمستخدمين الضعفاء.
الحفاظ على مجانية الخدمة للأفراد يتجاوب مع هدفين استراتيجيين: إكساب سلوك التحويل الرقمي قبولا واسعاً، وحماية الشرائح ذات الدخل المحدود من تكاليف متكررة تُضعف حوافزهم للاستخدام. فرض رسوم على الحوالات الشخصية، حتى لو كانت رمزية، قد يقوّض السلوك الرقمي المُراد تعزيزه ويعيد جزءًا من الاقتصاد إلى دوائر النقد. لذلك، من الحكمة أن يبقى الاستخدام الفردي معفى أو برسوم منعدمة للغاية على الأقل خلال مراحل النضج الأولي للتبني، بينما تُجرى مراجعات لاحقة على ضوء تطورات السوق.
التمييز بين الحوالات الشخصية وتلك التجارية يواجه تحديات عملية. التقنيات المصرفية الحديثة تتيح أدوات تصنيف—حسابات تجارية مقابل شخصية، رموز غرض التحويل، ومعرفات نقاط بيع—لكن الحدود الضبابية تبقى قائمة، خصوصًا في بيئة تستعين فيها كثير من المشاريع الصغيرة بحسابات شخصية. هنا يظهر دور السياسات المكملة: تشجيع التسجيل التجاري المبسَّط، توفير حوافز لفتح حسابات تجارية، وتحديث قواعد معرفة العميل بطريقة تدعم التمييز دون تشديد بيروقراطي يثني عن الامتثال. أي آلية رسوم تُطبَّق يجب أن تراعي هذه الحقيقة وتقدّم فترات انتقالية وإعفاءات للتجار الصغار.
بالنسبة لخدمة «كليك بلس» المخصصة للحوالات الدولية الفورية، ثمّة فرص حقيقية لتقديم نموذج أكثر فعالية وتكلفة منافسة مقارنة بمنصات التحويل التقليدية. عبر ربط الشبكات المصرفية مباشرة، يمكن خفض الوساطة وتقليص الهامش على سعر الصرف، بالإضافة إلى نقل المبالغ مباشرة إلى حسابات المستفيدين بدلاً من الاعتماد على وكلاء نقديين. لكن تسعير هذه الخدمة يحتاج إلى عقلانية: نماذج متدرجة تُراعي حجم الحوالة وطبيعتها (عائلية مقابل تجارية)، أو مزيج من رسوم ثابتة وهامش صرف، تبدو نهجاً عملياً يوازن بين تغطية التكاليف وتشجيع الاستخدام.
يكمن التحدي الحقيقي في الجمع بين هدفين يبدوان متضادين ظاهريًا: استدامة تشغيلية للخدمة من جهة، وتعزيز الشمول المالي والتحول الرقمي من جهة أخرى. الحل الوسط العملي يتطلب تصميمًا سياسياً وتقنياً دقيقًا: إبقاء الحركات الشخصية مجانية أو شبه مجانية، اعتماد رسوم متدرجة للتجارة الكبيرة، تنفيذ آليات تصنيف واضحة مع فترات انتقالية وحوافز للتسجيل التجاري، إضافةً إلى شفافية كاملة في هيكل الرسوم وآليات الطعن أو الاعتراض. بهذا التوازن يمكن أن تستمر «كليك» و«كليك بلس» في لعب الدور المحوري الذي بدأته: بنية تحتية رقمية تدفع الاقتصاد الأردني نحو كفاءة أكبر، شفافية أوسع، وفرص نمو رقمي أكثر عدلاً واستدامة.












































