تدريب على الغياب: العتبة النصية بوصفها مفتاحًا تأويليًا في عالم طارق عودة القصصي

تدريب على الغياب: العتبة النصية بوصفها مفتاحًا تأويليًا في عالم طارق عودة القصصي

العتبة النصية التي نلج من خلالها عالم طارق عودة القصصي ق. ق. ج. و ق. ق.

تدريب على الغياب، فلولا أن الغياب ثقيل ومضنٍ، لما أحوجنا إلى التدرب عليه، وضمن خفايا النسق الثقافي المضمر له،

يزبد وعينا حول التحوّط من الخذلان ومرارته، والإحباط ودماره.

فلا تُمعنوا بتوسُّم الأفضل ممن أحسنتم لهم يومًا،

فالوعود ثقيلة على عواتق حامليها، تطوقهم بالهروب من مواثيقها المغلظة، وديونهم المؤجلة كثيرًا.

العتبة مشرعة أبوابها على التأويل:

لغويًا، ونفسيًا، ورمزيًا، ودلاليًا.

فالعنوان جملة اسمية ابتدأت في حالة نادرة من المصدر 'تدريب'، ليحمل شحنة عالية من المعنى بضرورة الإلمام بكل تقنيات القدرة على الغياب بلا عودة، حتى وإن كانت طارئة.

جاءت أيضًا نكرة، وهذا يُفيد العموم في أصل معناه ومدلوله، فكل التدريب متاح، وضرورة حتمية الإلمام به.

والغياب جاء هو الآخر نكرة، ويحيل هذا أيضًا إلى عموم مساحة الفقد والخذلان، لتنطلق من غياب الوطن، أو حتى غيابنا عنه، والغياب عن أيّ محبوبة، أو الأهل، أو كلّ ما تعلّقت أنفسنا به يومًا.

في نحوٍ مفارق، فالتدريب يكون على الغياب بالإكراه، لأن الأمور الغائبة نغادرها أو تغادرنا قسرًا، والنسيان وتجاوز العقبة الكَأْداء ليس سهلاً على النفس، لذا تحتاج إلى من يروّضها على التجاوز والتحمّل لمثل هذه الأمور الثقيلة.

والقصة القصيرة تنطلق من المفارقة وتنتهي عندها، في قفلة الحكي المدهشة، التي يتقن فيها عودة كسر أفق توقّع قارئه، لينزاح تفكيره كما اللغة، إلى نهاية غير متوقعة، منفية كما الغياب عن الواقع.

وما إن استطاع الحصول على فراغ حتى شرع بتأثيثه!

الفراغ؟ التأثيث؟ مفارقة تسير في منعطف خطير، يكاد يذهب بعقل صاحبها، فلا منطق ولا تراتبية للأحداث!

قول مقتصد في لغته، مكثف في دلالته، شاحذ لهمّة قارئه للانسجام مع الدلالة المتطرفة حدّ اللاتصديق.

هكذا تمضي عناصر هذا الوهج القصصي الوامض، ليرتاع القارئ حدًّا لا يهدأ فيه، وهذا معنى معاكس مشاكس للرقة، التي يهدأ فيها الفكر، ويأخذ ما يتلقاه مأخذًا جديًا مسالمًا، لا يثير بركة الفكر النائمة، ويسلمها على حلقات تتسع شيئًا فشيئًا.

د مي بكليزي