اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
ماذا بعد الاعترافات الدولية بـ'فلسطين' ؟
وائل منسي
تشهد الساحة الدولية موجة اعتراف متنامية بدولة فلسطين، تمثل تحوّلاً جيوسياسياً يعيد إلى الأذهان عزلة نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
هذا التحوّل يضع إسرائيل في مرمى ضغط دولي غير مسبوق، ويعرّي واشنطن من قناع 'الوسيط النزيه'، فاتحاً الباب لتدخل قوى دولية منافسة كالصين وروسيا، في مشهد يعيد رسم ميزان القوى العالمي.
الرد الإسرائيلي، بطبيعته العدوانية، لن يكون إلا مزيداً من التصعيد: ضمّ متدرّج للضفة، تفكيك أمني للسلطة، وعمليات عسكرية تهدف إلى كسر أي مشروع وطني فلسطيني موحّد.
لكن هذا المسار ينذر أيضاً بانفجار داخلي في إسرائيل، حيث يلوح خطر إسقاط نتنياهو بفعل غضب شعبي يرى في الحرب الطويلة والعزلة الدولية تهديداً وجودياً للدولة العبرية.
أما الولايات المتحدة ورغم تحصنها تحت مظلة اللوبي الإسرائيلي، فهي تواجه ضغوطاً متنامية داخلية وخارجية، تجعل حمايتها المطلقة لإسرائيل قابلة للتآكل خلال العقد القادم، على وقع نزاعات جيوسياسية وكلفة اقتصادية متصاعدة.
قانونياً الاعتراف الدولي بفلسطين على حدود 1967 يُحوّل المستوطنات إلى احتلال غير شرعي صريح، ويفتح الباب لملاحقة قادة إسرائيل وشركات الاستيطان أمام المحاكم الدولية، وصولاً إلى المطالبة بتفعيل الفصل السابع لمحاسبة إسرائيل كدولة مارقة تنتهك القانون الدولي.
إقليمياً هنا تظهر المأساة الحقيقية: الانقسام العربي وعجز العواصم الكبرى باستثناء الأردن، عن استثمار هذه اللحظة التاريخية. الارتباط الأعمى بالهيمنة الأمريكية جعل من العرب مجرد شهود صامتين على جرائم تتكرر منذ عقود.
سقط مشروع 'الناتو العربي' قبل أن يولد، وتحولت التصريحات الرنانة إلى ستار دخاني يخفي عجزاً مزمناً، في وقت كان يُفترض فيه أن تفرض دول بحجم مصر والسعودية وقطر والإمارات عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على إسرائيل بدلاً من سباق الخضوع للإرادة الأمريكية.
المستقبل مفتوح على سيناريوهات متناقضة: من تصعيد دموي إسرائيلي في الضفة الغربية وحتى في المناطق العربية في فلسطين التاريخية، وانهيار السلطة وسط صمت عربي وتواطؤ أمريكي، إلى تسويات هشّة بضغط دولي، أو حتى تحوّل جيوسياسي عميق مع انكفاء الهيمنة الأمريكية وصعود قوى جديدة تدفع نحو دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة حقيقية.
لكن الحقيقة الصارخة تبقى: الاعترافات الدولية، على أهميتها، ليست سوى أوراق رمادية إن لم تُترجم على الأرض.
وهذا يتطلب أولاً وحدة فلسطينية صلبة تجمع المقاومة السياسية والشعبية والعسكرية في مشروع تحرري شامل، ومثال المقاومة الفيتنامية رغم الخسائر المليونية أخضغت أمريكا، وثانياً كسر التبعية العربية للغرب وبناء استراتيجيات وطنية مستقلة تجعل من فلسطين قلب الأمن القومي العربي، لا مجرد 'شعار تضامني' يُرفع في المحافل ويُدفن في الممارسة.