اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١٠ كانون الأول ٢٠٢٥
حين يتكلّم عبدالرؤوف الروابدة وتتكشّف أزمة الدولة: أسئلة لا يمكن تجاهلها بعد اليوم! #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي -
في اللحظة التي خرج فيها رئيس وزراء سابق مثل عبدالرؤوف الروابدة -خلال الندوة التي أقيمت في دائرة المكتبة الوطنية- ليقول إنه لا يعرف كيف تُختار قيادات الوطن، فإننا لا نقف أمام تصريح عابر، بل أمام شهادة سياسية تكشف جزءًا من الخلل العميق في آلية إدارة الدولة.
فالرجل لم يكن يومًا على هامش القرار؛ بل كان في قلبه، وتولّى مواقع لا يصلها إلا من يعرف تفاصيل النظام السياسي ومساراته.
ومع ذلك… يقول إنه لا يعرف.
هذا الاعتراف — مهما حاول البعض التقليل من أثره — يفتح الباب على سؤال أكبر: إذا كان رئيس وزراء لا يعرف… فمن يعرف؟
إنها ليست قضية فردية، بل إشارة إلى أن عملية اختيار القيادات ما تزال محاطة بالغموض، وأن الشفافية — مهما تحدثنا عنها — لم تتحول بعد إلى ممارسة مؤسسية واضحة.
٦٣ هيئة مستقلة… دولة داخل دولة
حديث الروابدة عن اختيار القيادات ينسجم مع خلل آخر يعرفه الجميع: وجود ٦٣ هيئة مستقلة في بلد صغير مثل الأردن.
هذا الرقم ليس مجرد ترف إداري، بل أحد أبرز أعراض تضخم الدولة وتشتت القرار.
فالهيئات المستقلة، التي أنشئت أصلًا لتقليل البيروقراطية وزيادة الكفاءة، تحولت إلى مراكز موازية للقرار:
- ازدواجية في المرجعيات
- تضارب في الصلاحيات
- تشتيت للموازنات
- غياب للمساءلة الواضحة
وتموضع سياسي أحيانًا خارج سيطرة الحكومة
السؤال الذي يطرحه الناس — ويطرحه الروابدة ضمناً — هو:
من المسؤول عن هذا التضخم؟
الإجابة ليست بسيطة، لكنها واضحة في مضمونها: هو تراكم سياسات حكومات متعاقبة، وبرلمانات وافقت دون دراسة، وثقافة سياسية قبلت بتوسعة الدولة دون ربط ذلك بالإنتاجية والجدوى.
لماذا يصمت القادة أثناء السلطة… ويتحدثون بعد مغادرتها؟
هنا يلامس الروابدة — من حيث يدري أو لا يدري — مفارقة أردنية معروفة: أن كثيرًا من المسؤولين يقولون ما لا يمكن سماعه منهم أثناء وجودهم في مواقعهم.
لماذا؟
1. قيود المنصب التي تمنع المواجهة المباشرة.
2. تحالفات ومصالح لا تسمح بالمصارحة.
3. غياب ثقافة الاعتراف داخل المؤسسات.
4. ورغبة بعض القادة بعد خروجهم في تبرئة ذمتهم أمام الناس.
هذه الظاهرة ليست عادلة بحق الدولة، لأنها تجعل الحكمة تأتي متأخرة، والنقد يأتي بلا أثر تنفيذي، والاعتراف يُقال بعد أن يفقد قيمته.
حديث الروابدة كاشف… لكنه جاء متأخرًا.
ومع ذلك، قيمته أنه يفتح الباب لكسر هذا الصمت.
التحليل إلى متى؟ ولماذا يغيب القرار؟
الروابدة لم يكن يسأل فقط… بل كان يصف حالة عامة:
نحن — رسميًا وشعبيًا — بارعون في التشخيص والتحليل، لكننا ضعفاء في اتخاذ القرار.
ننتج تقارير، نكتب توصيات، نعقد لجانًا، نناقش في الإعلام، نضع أصابعنا على الجرح…
لكن الجرح لا يُضمّد.
أي طالب إدارة يعرف أن حل المشكلات يقوم على خطوات واضحة: تشخيص، جمع معلومات، بدائل، مفاضلة، ثم قرار.
في حالتنا، الخطوة الأخيرة هي التي تتعثر دائمًا.
لسببين رئيسيين:
1. غياب الإرادة السياسية للقرارات الصعبة
لأن أي إصلاح حقيقي سيصطدم بمراكز مصالح.
2. الخوف من الكلفة الاجتماعية والسياسية
في بلدٍ حساس سياسيًا واقتصاديًا، يصبح القرار الجريء مغامرة.
وهكذا…
نبقى نحلّل أكثر مما نقرّر، ونشخّص أكثر مما نغيّر.
ما الذي يمكن أن نستفيده من كلام الروابدة؟
التصريح ليس مجرد رأي شخصي، بل فرصة لإعادة ترتيب المشهد:
إعادة النظر في طريقة اختيار القيادات
تقييم شامل للهيئات المستقلة وجدواها
تعزيز ثقافة الاعتراف والمسؤولية أثناء تولي المناصب
الانتقال من التشخيص إلى التنفيذ
بناء آليات قرار واضحة تُعيد الثقة بين الدولة والمواطن
هذه القضايا لا تخص الروابدة وحده، بل تخص الدولة جميعها.
كلمة أخيرة
حديث الروابدة لم يفتح باب النقد فقط… بل وضع الدولة أمام مرآتها.
فالمشكلة ليست في الأشخاص، بل في النظام الإداري والسياسي الذي يسمح بأن يقول مسؤول كبير إنه لا يعرف كيف تُدار الأمور.
إذا كان هذا الحديث صادمًا للبعض، فهو في الحقيقة خطوة ضرورية في طريق الإصلاح: أن نقول الحقيقة، ثم نبدأ من هناك.












































