اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
اندماج الأحزاب.. مصلحة وطنية أم تقاسم نفوذ؟
كتب عوني الرجوب *
يروّج البعض لفكرة دمج الأحزاب السياسية تحت شعارات براقة مثل 'ترشيق المشهد الحزبي” و”تقليص العدد لصالح الفاعلية”، وكأنّ تعدد الأحزاب هو العقبة الكبرى أمام بناء الديمقراطية. لكن الواقع يقول شيئًا آخر تمامًا.
السؤال الذي يتجنب كثيرون طرحه هو: لصالح من يُطرح هذا الدمج؟ هل الهدف فعلاً هو تطوير الحياة السياسية؟ أم أنّه محاولة لخلق تحالفات جديدة تُفصّل على مقاس أشخاص يسعون لتوسيع نفوذهم، عبر التفاف شخصيات وطنية وحزبية عريقة حولهم؟
الحديث عن اندماج الأحزاب ليس مشكلة بحد ذاته، بل قد يكون خطوة صحية إذا كان مبنيًا على احترام جميع الأطراف، والمساواة بينها، وضمان استقلالها التنظيمي والفكري. لكن ما يجري في كواليس الواقع الحزبي يعكس غير ذلك تمامًا.
هناك أحزاب تُجبر على الاندماج بسبب غياب الدعم المالي، وأخرى تُدفع نحو التكتل تحت ضغط الإقصاء والتهميش المتعمّد، في وقت تكيل فيه الجهات الرسمية بمكيالين: أحزاب تُدعم وتُسوَّق لها، وأخرى تُجفّف مواردها وتُحاصر حتى لا تتمكن من الاستمرار.
هذا الواقع لا يمكن وصفه إلا بأنه طمرٌ للديمقراطية الحزبية، ونسفٌ للتعددية السياسية التي يُفترض أن تكون رافعة للإصلاح، لا عبئًا على الدولة.
فكيف نُطالب الأحزاب بالتطوير، بينما نمنع عنها أبسط مقومات العمل؟!
كيف نراهن على أحزاب لا تملك قرارها ولا حريتها، ولا يُسمح لها بممارسة أدنى أشكال التعبير، دون خوف من الحل أو التجميد أو التشويه؟
نحن بحاجة إلى أحزاب حقيقية، لا 'هلامية”، أحزاب تملك قرارها، وتحاسب قياداتها من داخلها، لا تُدار من خلف الستار، ولا تُحلّ وفق أهواء، بل تخضع فقط للقانون. ويجب أن تُحلّ فقط إذا ثبت بالدليل القاطع أنها تشكل خطرًا على الدولة، أو أنها أداة بأيدي جهات تعبث بأمن الوطن أو تتاجر بالمال السياسي.
أما أن تُختزل مصلحة الوطن بيد فلان وعلان، ويُفرض على الجميع الاصطفاف خلفهم، فهذه ليست حياة حزبية، بل إعادة إنتاج لمشهد قائم على السيطرة لا على الشراكة.
في الدول الديمقراطية الحقيقية، أمين عام الحزب شخصية سيادية مؤثرة، وصوته يسبق أحيانًا صوت رئيس الحكومة.
أما في دول العالم الثالث، فحتى نائب الشعب لا سلطة له على وزير، ولا يستطيع المطالبة بحق إلا بالحسنى والرجاء والتوسل.
لذلك، أصبح الاعتزال عن العمل الحزبي خيارًا واقعيًا لكل من يدرك كيف تُدار الأحزاب في الخفاء.
إننا لا ننتقد حبًا بالمعارضة، بل لأننا نريد وطنًا قويًا بأحزابه، مستقلًا بقراراته، متنوعًا برؤاه.
نعم، الوطن فوق الجميع، والقيادة الهاشمية تمثل الدرع الحصين للأمن والاستقرار، ولا يختلف على ذلك عاقل.
لكن ما دون ذلك – من سياسات وممارسات ومؤسسات – فليس فوق النقد والمساءلة.
وختامًا، فإن هذا الواقع الحزبي المختلّ لا يمكن إصلاحه بقرارات فوقية أو اندماجات شكلية، بل عبر حوار وطني صريح، مسؤول، وغير مشروط، يُعيد الاعتبار لفكرة الحزب، ويُطلق حرية العمل السياسي، ويضع أساسًا جديدًا لمعادلة وطنية تحفظ التعددية وتكرّس الاستقلالية.
هل نحن مستعدون لهذا الحوار؟ أم أن المطلوب فقط إعادة ترتيب أوراق قديمة بثوب جديد
* باحث وكاتب سياسي