اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
العقبة... حيث السواقة تصبح انعكاسًا للنظام
الكابتن اسامة شقمان
في أقصى جنوب الأردن، هناك مدينة لا تُشبه غيرها.
مدينة لا تُدرّس قواعد القيادة فيها في قاعات المحاضرات، بل تُدرَك من خلال التجربة اليومية، من خلال الصمت، ومن خلال الإحساس الجماعي.
العقبة ليست مجرد مدينة... إنها فكرة. بل حالة وعي.
في العقبة، الدوّار ليس مجرد حلقة من الإسفلت تُحاصرك بسيارات أخرى، بل مساحة يتجلى فيها احترام الذات والآخر.
كل دخول إلى دوّار هناك هو لحظة تأمل، وكل خروج منه يشبه يقظة داخلية.
كأن القيادة فيها رقصة صوفية، كل سائق يعرف متى يدخل ومتى يتوقف دون أن يُقال له، وكأن الجميع يتحرك على نغمة خفية لا يسمعها إلا من يصغي بقلبه.
في دوّار الأميرة هيا، لا تسمع أبواق السيارات ولا ترى عجلة توتر.
هناك، العيون تتخاطب بصمت، والنية الطيبة تسبق الإشارة الضوئية.
النظام لا يُفرض، بل يُولد من الداخل، من حسّ مشترك بالاحترام والتقدير المتبادل.
العقبة... النموذج الممكن
كنتُ، وما زلت، أشعر بشيء من الغيرة حين أزور مدن الخليج العربي — دبي، أبو ظبي، البحرين — حيث النظام في القيادة يُحترم، والهدوء يلف الطرق، وحيث لا يُنظر إلى الشارع كمعركة بل كفضاء مشترك.
كنت أتساءل: لماذا لا نملك نحن في الأردن مثل هذا السلوك؟
لماذا يبدو التوتر سيد الموقف في كثير من شوارعنا؟
لكنني وجدت الجواب في العقبة.
نعم، في مدينتنا الجنوبية، هناك نموذج يشبه تلك المدن.
العقبة تؤكد أن الالتزام ممكن، وأن الجمال يمكن أن يظهر في أبسط مظاهر الحياة اليومية، حتى في طريقة دخولنا إلى دوار وخروجنا منه.
ولهذا، نأمل أن تنتقل هذه الروح إلى باقي مدن المملكة.
أن تصبح العقبة مثالًا لا يُمدح فقط، بل يُحتذى.
اقتراح من قلب التجربة
ولذلك، أقترح — بل أدعو دعوة مؤسسة على التأمل والتجربة — أن تضيف دائرة السير شرطًا جديدًا لتجديد رخص القيادة:
ثلاث ساعات من التأمل الصامت في شوارع العقبة.
نعم، ثلاث ساعات يجلس فيها السائق كطالب في حلقة صوفية، يراقب كيف يُمارس النظام هناك.
كيف تسبق الأخلاقُ القوانين، وكيف أن احترام الطريق يبدأ من الداخل، لا من يافطة على الجدار.
فقط بعد هذا التأمل، فقط بعد هذا الإدراك، يمكن أن يُقال له:
'أنت الآن سائق'.
العقبة ليست مدينة فحسب، بل مرآة نادرة لانعكاس الوعي المدني.
وفيها، الدوار ليس حلقة من الطريق، بل دائرة من الفهم.
القيادة هناك ليست طقسًا آليًا، بل ممارسة روحية، تهذيب للغرائز، وانتصار للذوق العام.
فيا سائقي الوطن...
شدّوا الرحال إلى هناك، ليس إلى البحر وحده، بل إلى دواراتٍ علمتني كيف أدخل... لأخرج إنسانًا آخر.
.