اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة مدار الساعة الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢ أيار ٢٠٢٥
في بلادٍ تعجُّ بالكفاءات، وتفيضُ بالطاقات، وتختزن في أرضها وأرواح ناسها ما لا يُحصى من الإمكانات، كيف يعقل أن يبقى الاقتصاد هشًّا، ومائدة العيش خالية، والأمل في التحسن مؤجَّلًا إلى أجلٍ غير مسمى؟ لسنا بلدًا فقيرًا في جوهره، بل فقيرٌ في إرادته الاقتصادية. فمشكلتنا لم تعد في المعرفة، فقد كتب الكتّاب، وتحدث الخبراء، وانعقدت المؤتمرات، وتراكمت الدراسات، المشكلة اليوم أعمق من التفاصيل، إنَّها في 'النية'؛ في الغياب الموجع لإرادة حقيقية تنقلنا من مأساة التشخيص إلى معجزة التغيير.يعرف كل أردني، مهما ضاق به العيش، أنَّ اقتصادنا يئنُّ من أزمات مزمنة: عبء المديونية، ضعف الإنتاج المحلي، بطالة تتفشى، وتفاوت طبقي يتسع يومًا بعد يوم.وفقًا لتقارير وزارة المالية الأردنية، بلغ الدين العام ما يفوق 117% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تشي باختلال بنيوي يستنزف الدولة، ويُقيد حركتها في الاستثمار التنموي الفعلي. أما البطالة، فتتجاوز رسميًّا 22%، فيما تصل إلى نحو 50% بين فئة الشباب، بحسب تقرير منظمة العمل الدولية (ILO).وأصبح أجمالي الدين العام 44.8 مليار دينار أردني.تلك الأرقام لا تُعبِّر فقط عن عجز اقتصادي، بل عن أزمة ثقة وأمل ومصير. وعندما تسجل المحافظات خارج العاصمة أعلى معدلات الفقر والبطالة، فإننا لا نتحدث فقط عن تفاوت، بل عن خطر تفكك اجتماعي واقتصادي..ليسَ التخبط الاقتصادي قدرًا، بل قرار غير معلن. قرار بالبقاء في الدائرة، بالخضوع لمعادلة محبطة: أن نعرف المشاكل، ونتظاهر بإنتاج الحلول، ثم ندفنها في أدراج الانتظار.من ينظر إلى طريقة إدارتنا للاقتصاد، يلاحظ غيابًا فاضحًا للجرأة، لا نغامر بكسر النمط، لا نُعيد هيكلة الفكر الاقتصادي من جذوره، لا نُشرِّع السياسات لخدمة الإنسان بل نُشرِّعها غالبًا لحماية المنظومة القديمة، نفسها التي أوصلتنا إلى هنا.لعل أكبر نقطة ضعف في اقتصادنا هي هذا الإنكار البنيوي: أننا بخير، أو أننا نحتاج فقط إلى بعض التعديلات. بينما الواقع يصرخ بأننا نحتاج إلى عقلانية شاملة في الفهم والتطبيق، لا إلى مسكنات.نحتاج إلى الانتقال من 'دولة الإداريين' إلى 'دولة القادة'، من إدارة الروتين إلى قيادة المستقبل.والغريب في الأمر أن رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني – حفظه الله ورعاه – للتحديثات قائمة على مدى بعيد، وتتسم بعمق استراتيجي واضح لتحسين الاقتصاد ورفع جودته، كما ورد في وثيقة 'رؤية التحديث الاقتصادي 2033'، التي وضعت أهدافًا واضحة لمضاعفة الناتج المحلي وتوفير مليون فرصة عمل. فكيف نفسر هذا التأخر في الأداء من قبل الحكومات؟ كيف تُترك الرؤية الملكية دون تنفيذ فعلي يرتقي إلى طموحها؟وكما جاء في كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني – حفظه الله – في افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة: 'لا نحتاج إلى مزيد من الدراسات أو الرؤى، فقد آن الأوان للانتقال من التخطيط إلى التنفيذ، ومن التفكير إلى الإنجاز.'تلك الكلمات لم تكن مجرد توصية، بل كانت بمثابة تنبيه حضاريّ عميق، ورسالة صريحة بأنَّ زمن التبرير قد انتهى، إنَّها تصلح أن تكون عقيدة وطنية جديدة، لو وُجدت الإرادة الجريئة لترجمتها من منبر الخطاب إلى مساحات التطبيق. لكنها، في واقعنا، ما تزال حبيسة التصفيق، لا التفعيل.كفى! متى نقولها بصدق؟كفى تسويفًا. كفى إدارةً للأزمات بدلًا من حلها، كفى تعلقًا بالشكليات وتجنبًا للجوهر. ليسَ المطلوب المزيد من الشعارات، بل القليل من الشجاعة. الشجاعة في الاعتراف أولًا، ثم في الفعل.نحن بحاجة إلى إرادة سياسية جريئة، تخرج من دوائر التردد، وتكسر مصالح الجمود، وتضع الإنسان في قلب المعادلة الاقتصادية.نحتاج إلى إصلاح يعترف أنَّ لا تنمية دون عدالة، ولا اقتصاد دون إنتاج، ولا استقرار دون كرامة.فالاقتصاد، في النهاية، ليس أرقامًا فقط، بل هو مرآة لنية الأمة. إن كنا صادقين مع أنفسنا، فلنقبل أنَّ الضعف ليس في الموارد، بل في توجيهها، ليس في الفقر، بل في إدارته. ليس في الشعب، بل في من يزعم تمثيله دون أن يخدمه.فإلى متى نظل نضع الحلول بلا إرادة؟ متى نكفّ عن الهروب إلى التنظير، ونبدأ في الفعل؟متى نصحو من سبات الأعذار ونتحمل مسؤولية المصير؟ربما حين نعرف أنَّ التغيير لا يبدأ من الحكومات وحدها، بل من وعي يتغلغل في الناس، فيرفضون أن يُدار مستقبلهم بنفس الأدوات التي أنتجت ماضيهم.
في بلادٍ تعجُّ بالكفاءات، وتفيضُ بالطاقات، وتختزن في أرضها وأرواح ناسها ما لا يُحصى من الإمكانات، كيف يعقل أن يبقى الاقتصاد هشًّا، ومائدة العيش خالية، والأمل في التحسن مؤجَّلًا إلى أجلٍ غير مسمى؟
لسنا بلدًا فقيرًا في جوهره، بل فقيرٌ في إرادته الاقتصادية. فمشكلتنا لم تعد في المعرفة، فقد كتب الكتّاب، وتحدث الخبراء، وانعقدت المؤتمرات، وتراكمت الدراسات، المشكلة اليوم أعمق من التفاصيل، إنَّها في 'النية'؛ في الغياب الموجع لإرادة حقيقية تنقلنا من مأساة التشخيص إلى معجزة التغيير.
يعرف كل أردني، مهما ضاق به العيش، أنَّ اقتصادنا يئنُّ من أزمات مزمنة: عبء المديونية، ضعف الإنتاج المحلي، بطالة تتفشى، وتفاوت طبقي يتسع يومًا بعد يوم.
وفقًا لتقارير وزارة المالية الأردنية، بلغ الدين العام ما يفوق 117% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تشي باختلال بنيوي يستنزف الدولة، ويُقيد حركتها في الاستثمار التنموي الفعلي. أما البطالة، فتتجاوز رسميًّا 22%، فيما تصل إلى نحو 50% بين فئة الشباب، بحسب تقرير منظمة العمل الدولية (ILO).
وأصبح أجمالي الدين العام 44.8 مليار دينار أردني.
تلك الأرقام لا تُعبِّر فقط عن عجز اقتصادي، بل عن أزمة ثقة وأمل ومصير. وعندما تسجل المحافظات خارج العاصمة أعلى معدلات الفقر والبطالة، فإننا لا نتحدث فقط عن تفاوت، بل عن خطر تفكك اجتماعي واقتصادي..
ليسَ التخبط الاقتصادي قدرًا، بل قرار غير معلن. قرار بالبقاء في الدائرة، بالخضوع لمعادلة محبطة: أن نعرف المشاكل، ونتظاهر بإنتاج الحلول، ثم ندفنها في أدراج الانتظار.
من ينظر إلى طريقة إدارتنا للاقتصاد، يلاحظ غيابًا فاضحًا للجرأة، لا نغامر بكسر النمط، لا نُعيد هيكلة الفكر الاقتصادي من جذوره، لا نُشرِّع السياسات لخدمة الإنسان بل نُشرِّعها غالبًا لحماية المنظومة القديمة، نفسها التي أوصلتنا إلى هنا.
لعل أكبر نقطة ضعف في اقتصادنا هي هذا الإنكار البنيوي: أننا بخير، أو أننا نحتاج فقط إلى بعض التعديلات. بينما الواقع يصرخ بأننا نحتاج إلى عقلانية شاملة في الفهم والتطبيق، لا إلى مسكنات.
نحتاج إلى الانتقال من 'دولة الإداريين' إلى 'دولة القادة'، من إدارة الروتين إلى قيادة المستقبل.
والغريب في الأمر أن رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني – حفظه الله ورعاه – للتحديثات قائمة على مدى بعيد، وتتسم بعمق استراتيجي واضح لتحسين الاقتصاد ورفع جودته، كما ورد في وثيقة 'رؤية التحديث الاقتصادي 2033'، التي وضعت أهدافًا واضحة لمضاعفة الناتج المحلي وتوفير مليون فرصة عمل. فكيف نفسر هذا التأخر في الأداء من قبل الحكومات؟ كيف تُترك الرؤية الملكية دون تنفيذ فعلي يرتقي إلى طموحها؟
وكما جاء في كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني – حفظه الله – في افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة: 'لا نحتاج إلى مزيد من الدراسات أو الرؤى، فقد آن الأوان للانتقال من التخطيط إلى التنفيذ، ومن التفكير إلى الإنجاز.'
تلك الكلمات لم تكن مجرد توصية، بل كانت بمثابة تنبيه حضاريّ عميق، ورسالة صريحة بأنَّ زمن التبرير قد انتهى، إنَّها تصلح أن تكون عقيدة وطنية جديدة، لو وُجدت الإرادة الجريئة لترجمتها من منبر الخطاب إلى مساحات التطبيق. لكنها، في واقعنا، ما تزال حبيسة التصفيق، لا التفعيل.
كفى! متى نقولها بصدق؟
كفى تسويفًا. كفى إدارةً للأزمات بدلًا من حلها، كفى تعلقًا بالشكليات وتجنبًا للجوهر. ليسَ المطلوب المزيد من الشعارات، بل القليل من الشجاعة. الشجاعة في الاعتراف أولًا، ثم في الفعل.
نحن بحاجة إلى إرادة سياسية جريئة، تخرج من دوائر التردد، وتكسر مصالح الجمود، وتضع الإنسان في قلب المعادلة الاقتصادية.
نحتاج إلى إصلاح يعترف أنَّ لا تنمية دون عدالة، ولا اقتصاد دون إنتاج، ولا استقرار دون كرامة.
فالاقتصاد، في النهاية، ليس أرقامًا فقط، بل هو مرآة لنية الأمة. إن كنا صادقين مع أنفسنا، فلنقبل أنَّ الضعف ليس في الموارد، بل في توجيهها، ليس في الفقر، بل في إدارته. ليس في الشعب، بل في من يزعم تمثيله دون أن يخدمه.
فإلى متى نظل نضع الحلول بلا إرادة؟ متى نكفّ عن الهروب إلى التنظير، ونبدأ في الفعل؟
متى نصحو من سبات الأعذار ونتحمل مسؤولية المصير؟
ربما حين نعرف أنَّ التغيير لا يبدأ من الحكومات وحدها، بل من وعي يتغلغل في الناس، فيرفضون أن يُدار مستقبلهم بنفس الأدوات التي أنتجت ماضيهم.