اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الأول ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
في عالمنا السريع والمتغير باستمرار، أصبح العقل البشري معرضاً يومياً لكمية هائلة من الضغوط النفسية. سواء كانت ناتجة عن العمل، الدراسة، المسؤوليات العائلية أو حتى ضغط وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذه الضغوط تتراكم وتؤثر سلباً على صحتنا النفسية والجسدية إذا لم نتعامل معها بوعي.
وفي اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يُحتفى به كل عام في العاشر من شهر أكتوبر، طرحنا السؤال: 'كيف يمكن للإنسان أن يُفرغ عقله من كثرة الضغوط، ويصل إلى حالة من التوازن النفسي والراحة الداخلية؟' على اختصاصية علم النفس فانيسا حداد، وكانت الإجابة في الموضوع الآتي.
فهم طبيعة الضغوط
الخطوة الأولى للتعامل مع الضغوط هي إدراك أن الضغوط ليست بالضرورة سلبية دائماً. فهناك ضغوط تدفعنا إلى العمل والإنتاجية، ولكن عندما تتجاوز الحد المعقول وتتحول إلى توتر مزمن، تبدأ المشكلة. فالعقل مثل الوعاء، إذا امتلأ فوق طاقته لن يعود قادراً على الاستيعاب، وسينعكس ذلك على الصحة النفسية والجسدية.
قوة التنفس العميق والتأمل
من أبسط الطرق لتفريغ العقل ممارسة التنفس العميق. يُنصح بتخصيص بضع دقائق يومياً للجلوس في مكان هادئ، وأخذ نفس عميق من الأنف، واحتباسه لثوانٍ، ثم إخراجه ببطء من الفم. هذه الممارسة تساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتخفيف حدة التوتر.
أما التأمل أو ممارسة 'اليقظة الذهنية' (Mindfulness)، فهي أداة فعالة لتصفية الذهن. من خلال التركيز على اللحظة الحالية دون الحكم على الأفكار، تتاح فرصة للانفصال عن دوامة التفكير المفرط وإيجاد مساحة من الصفاء الداخلي.
الكتابة كوسيلة لتفريغ المشاعر
تُعد الكتابة من أقوى الأدوات النفسية لتفريغ الضغوط. يُستحسن تخصيص دفتر صغير لتدوين المشاعر والأفكار اليومية، حتى لو كانت عشوائية. فعندما تُكتب الأفكار على الورق، يشعر الإنسان وكأنه أفرغ حملاً ثقيلاً من ذهنه.
وقد أثبتت الدراسات أن الكتابة التعبيرية تقلل من مستويات القلق والاكتئاب، وتزيد من القدرة على التحكم بالمشاعر.
الحركة والرياضة
الجسد والعقل مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. فممارسة الرياضة لا تقتصر على تحسين اللياقة البدنية فحسب، بل تسهم أيضاً في إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين. يمكن اختيار النشاط المفضل: المشي، الجري، الرقص، أو حتى اليوغا. نصف ساعة يومياً كافية لإحداث فارق ملحوظ في الحالة المزاجية.
تنظيم الوقت وتحديد الأولويات
من أكثر مصادر التوتر شعور الإنسان بأنه لا يملك السيطرة على وقته. هنا يأتي دور التنظيم. يُنصح بكتابة قائمة يومية تُحدّد فيها المهام، مع التمييز بين ما هو عاجل وما هو مهم. عندما يُدار الوقت بوعي، يقل الشعور بالارتباك، ويزداد الإحساس بالتحكم في مجريات الحياة.
قوة الامتنان والتفكير الإيجابي
يميل العقل البشري بطبيعته إلى التركيز على السلبيات، مما يضاعف الإحساس بالضغط. لذا يُستحسن تمرين النفس على كتابة ثلاثة أمور يشعر الإنسان بالامتنان لوجودها في حياته كل يوم. هذا التدريب البسيط يعيد برمجة العقل تدريجياً نحو رؤية الجانب الإيجابي من الحياة، ويمنح شعوراً بالراحة والرضا.
العلاقات الداعمة
يُعد التواصل الإنساني العميق من أهم عوامل الصحة النفسية. فلا ينبغي كبت المشاعر، بل يُفضل مشاركتها مع شخص موثوق: صديق، فرد من العائلة، أو حتى معالج نفسي. الحديث عمّا يزعجنا يساعد على رؤية الأمور من منظور جديد ويخفف من ثقل الأفكار.
الحد من التعلق بالهاتف ووسائل التواصل
الانغماس المستمر في العالم الرقمي يزيد من التشتت والضغط النفسي. يُنصح بتحديد أوقات لاستخدام الهاتف، وإبعاده تماماً قبل النوم. يمكن استبدال هذا الوقت بالقراءة أو التأمل أو الجلوس بهدوء مع النفس.
العناية بالنوم والتغذية
النوم العميق والمنتظم يعيد شحن الطاقة العقلية والجسدية. يُنصح بالنوم بين 7 و8 ساعات يومياً في أجواء هادئة.
كذلك، تسهم التغذية المتوازنة الغنية بالفواكه، الخضروات، والمكسرات في دعم عمل الدماغ بكفاءة وتقليل تقلبات المزاج.
قبول ما لا يمكن تغييره
جزء كبير من الضغوط يأتي من محاولة السيطرة على كل شيء. عندما نتعلم فن القبول وندرك أن هناك أموراً خارج نطاق تحكمنا، نشعر براحة أكبر. هذا لا يعني الاستسلام، بل التركيز على ما يمكن تغييره، والتخفيف من التعلق بما لا يمكن تغييره.
تفريغ العقل من الضغوط
تفريغ العقل من الضغوط ليس مهمة تُنجز مرة واحدة، بل هو أسلوب حياة يحتاج إلى ممارسة يومية ووعي ذاتي.
من خلال التنفس العميق، التأمل، الكتابة، الرياضة، تنظيم الوقت، الامتنان، العلاقات الداعمة، والحد من الانشغال الرقمي، يمكن بناء روتين يحمي من التوتر المزمن ويقود إلى صحة نفسية متوازنة.
إن الاهتمام بالعقل لا يقل أهمية عن الاهتمام بالجسد، بل هو الأساس الذي ينعكس على كل تفاصيل الحياة. وعندما يصبح صفاء الذهن عادة يومية، يصبح التعامل مع تحديات الحياة أسهل، وتتحقق السعادة الداخلية بعيداً عن تقلبات الظروف الخارجية.