اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
فلحة.. تدق الباب مرتين وستواصل الطرق
حين ترشحت وضعتنا أمام المرآة، وكشفت نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا.
هل كنا على أهبة الاستعداد لاختيار سيدة في موقع رئيس نقابة مهنية، أم أننا كنا في الخفاء نبحث عن الصيغة التقليدية المريحة؟.
كان ترشحها مثل الخوض في حقل ألغام في نقاش طويل ومرير وباهظ الكلفة حول وجود سيدة في موقع رئيس نقابة الصحفيين، أو نقابة أخرى.
كل ذلك جرى في عالم التوجس بينما هي لم تكن تبحث عن العناوين الرئيسية، ولم تكن أسيرة 'النسوية'.
حين ترشحت ساهمت بقوة في تفكيك الأكاذيب والمصطلحات حول العمل النقابي، فالسرد فيما يتعلق بالانتخابات سرد غير متماسك ويبحث لنفسه عن مواطئ قدم في الرواية الصحافية عن الانتخابات، وهو في النهاية سرد فردي وعاطفي ومصلحي ومزاجي تحكمه اللحظة الآنية.
وغالبا في معركة النقيب لا تكون هناك انتخابات حقيقة، لأن التزكية الرسمية ورضا الجهات المعنية كان يحسم الانتخابات قبل أن تضع الورقة الأولى في صندوق الاقتراع.
لكنها هذه المرة كانت تراقب مع سيدة ارتدت قفاز التحدي ودخلت الحلبة.
جاءت من ذيبان المملكة المؤابية تحت حكم الملك ميشع الذيباني الذي خلد انتصاراته على بني إسرائيل عام 850 ق.م في أقدم وأطول المسلات التاريخية المكتشفة في بلاد الشام. وتلك هي ذيبان التي ولدت مع التاريخ.
لفتت الانتباه إليها في أكثر من مناسبة وكان اللقاء الذي دعيت إليه فلحة بريزات مع آخرين يمثلون وسائل الإعلام وسياسيين للاستماع إلى الملك والحديث إليه، لافتا، فقد تحدثت الصحفية القادمة من ذيبان بمحافظة مادبا بكل ما يدور في بيوت الأردنيين وفي عقولهم.
ولدت فلحة بريزات في مغارة على أطراف قرية دليلة الحمايدة، جنوب مادبا، وعاشت الحياة البدوية بكامل تفاصيلها، مع عائلة مكونة من عشرة أفراد.
تقو ل عن تلك المرحلة 'كان يبهرني منظر سنابل القمح، وأغاني الحصادين، ووجدت متعة في رعاية الأغنام'.
عشقت الحياة البدوية بكل تفاصيلها، مستمتعة هي وأشقائها في فصل الشتاء بقطرات الماء وهي 'تهطل على السقف متسللة إلى وجوهنا ونحن نيام' تقول فلحة.
حرص والدها على تعليمها، فأرسل البنات إلى مادبا، والأولاد درسوا في القرى المجاورة، فانتقلوا للسكن في مادبا وبقى الوالدان في القرية لتأمين مستلزماتهم.
درست في المرحلة الابتدائية في مدارس الأقصى الخاصة، لا تستطيع أن تنسى موقف ما زال ماثلا أمامها تقول فلحة 'استحق قسط المدرسة، وتأخرت في دفعه، لذا نقلت إلى مدرسة عكاظ الحكومية، في الطابور الصباحي، رأيت امرأة من بعيد بطلة بهية، بلباس بدوي، كانت والدتي، باعت بساطا وأعادتني إلى مدرستي'.
درست الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك، وكانت بطلة الجامعة في تنس الطاولة ومثلتها في بطولات خارجية. أكلمت دراستها العليا فحصلت على شهادة الماجستير في الإدارة والدراسات الاستراتيجية، ودبلوم في إدارة الموارد الوطنية من كلية الدفاع الوطني الملكية.
التحقت بعد تخرجها عام 1990 في صحيفة شيحان الأسبوعية الأكثر انتشارا وتأثيرا في قوتها، ثم وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عام 1992.
نالت ثقة زميلاتها وزملائها الصحفيين فانتخبت في عضوية مجلس نقابة الصحفيين في عام 2002 .
انتدبت 2003 للعمل في وزارة التنمية السياسية، في إدارة الإعلام والاتصال، إضافة إلى الناطق الإعلامي فعملت على تأسيس مديرية الإعلام هناك، فوضعت بصمتها، واستلمت برنامج 'الاتصال والمشاركة الاجتماعية' وكان عبارة عن اجتماع حواري للإعلاميين والأطراف المعنية لحل المشكلات في المحافظات، هدفها تسليط الضوء على المشاكل الموجودة في المنطقة، وكيفية معالجتها.
لم تبقى أسيرة الصحافة المكتوبة فقد منحت فرصة للتواصل الإعلامي مع الجمهور عبر برنامجي 'البث المباشر' الإذاعي، و'وطني حبيبي' التلفزيوني، اللذان ناقشا قضايا وهموم الناس.
كان لديها شغف بالتحقيقات والقضايا الصحافية الميدانية فاندفعت فلحة بحماس للسفر وتغطية أخبار حرب الخليج، تقول: ' كان هناك خيار في الصحيفة التي كنت أعمل لديها بالسفر للعراق وتغطية الأحداث، وبحماس الفتاة الصغيرة التي هدفها أن تتعلم، وتثبت الحقائق، رفعت يدي وقلت أنني أريد الذهاب'.
كانت لمستها الأكثر وضوحا مشاركتها في 'برنامج بحث وتطوير البادية الأردنية'، بناء على دعوة من الأمير الحسن بن طلال لعمل جولة في الصفاوي، وكتبت تقريرا عن الجولة، بعدها طلبت منها الشريفة زين بنت ناصر أن تنضم للبرنامج، وكانت طبيعة العمل بعيدة عن العاصمة، وفي المناطق القروية والبدوية لمعرفة حال حياة أهلها.
عملت إعلامية في مكتب الأمير الحسن في الفترة ما بين عامي 2012 و2015.
حين ترشحت لانتخابات نقابة الصحفيين أصدرت وثيقة نادرة وغير معهودة تعهدت فيها بعهد مشفوع بالقسم، بعدم قبول أي منصب أو وظيفة، رسمية كانت أو غير رسمية، إن قيضت لها الفوز بموقع النقيب.
وأرجعت إصدارها التعهد إلى ما قالت إنه 'إدراك لمهام وأعباء موقع نقيب الصحفيين'، و'إيمان بقيم العمل النقابي الحقيقي'، و'تكريس لنهج نقابي جديد'، و'تعزيز لهيبة نقابة الصحفيين الأردنيين'، و'تحرر من أية قيود تحول بين نقيب الصحفيين ومصلحة من بتشرف بخدمتهم وتمثيلهم'.
لا يمكن حشر فلحة في زاوية الصحافي فقط فهي، بشكل أو بأخر صوت أردني حر، يتردد صداه في جميع القضايا التي يمر بها الوطن وقضية العرب المركزية فلسطين.
تعتقد فلحة أنه إذا كان هناك شيء تآكل وفقد بريقَه في الحالة الأردنية فهو فقدان الثقة، فما تبقى حاضرا في قواميس الحياة هو فقط: خيبات متواصلة، وشواهد على قبور الحريات، وبؤس العائلات، وبطالة بلا حلول تعيش على جدول دائم لأعمالهم.
تلك هي فلحة، من البداوة ورعي الأغنام إلى الصحافة ومكتب الأمير الحسن، وثم التوجه إلى الهيئة العامة لنقابة الصحفيين لطلب ثقتها في رئاسة النقابة، دون أن تنظر إلى حسابات الربح والخسارة، قبلت التحدي حتى تصنع حالة تؤسس لنهج جديد لكسر حاجز الخوف عند المرأة الأردنية.
وحين خسرت في المرتين، صعدت المنبر، بعد إعلان النتائج، وباركت للزميل النقيب ونائبه ورفاقه الحاصلين على ثقة الهيئة العامة، ووضعت نفسها تحت خدمة المجلس الجديد وزملاء وزميلات المهنة.
ستبقى في قلب فلحة مرارة وبقايا أمل بأن ثمة ضوء في نهاية النفق قد يرشدها إلى الطريق حيث الباب الذي حاولت طرقة لكنه استعصى في المرتين وبقيت تقيم عند الأعتاب.