اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
الطاقة الشمسية.. ذهب الصحراء الجديد
الأستاذ الدكتور أمجد الفاهوم
في قلب الصحراء الممتدة من المحيط إلى الخليج، تشرق قصة عربية جديدة عنوانها: الطاقة الشمسية. لم تعد الشمس مجرد خلفية أبدية للحرارة والعطش، بل تحوّلت إلى أعظم موردٍ للطاقة المتجددة في العالم العربي. فمنذ مطلع الألفية، تغيّر وجه المنطقة من مصدرٍ تقليديٍّ للنفط إلى مركزٍ صاعدٍ لتوليد الكهرباء النظيفة. ووفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة (IEA, 2025)، من المتوقع أن ترتفع قدرة الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 20 غيغاواط حاليًا إلى أكثر من 200 غيغاواط بحلول عام 2035 — عشرة أضعاف ما هو قائم اليوم. إنها ثورة صامتة تُكتب على رمال الصحراء، وتحمل في طياتها وعدًا بمستقبلٍ أقل تلوثًا وأكثر استدامة.
تاريخيًا، كانت المنطقة العربية مهوى أنظار العالم بسبب نفطها وغازها، لكنها اليوم تُعيد رسم موقعها على خريطة الطاقة العالمية. فالسعودية دشّنت مشروع 'الشمّيسية” كأحد أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم بطاقةٍ تبلغ 1.5 غيغاواط، وبكلفة إنتاج لا تتجاوز 1.6 سنت للكيلوواط/ساعة — وهو من أدنى الأسعار عالميًا. وفي مصر، يواصل مجمّع 'بنبان” الشمسي في أسوان، الذي تبلغ قدرته 1.8 غيغاواط، تغذية الشبكة الوطنية بالكهرباء النظيفة لنحو مليون منزل. أما المغرب، فقد تحوّل إلى نموذجٍ إقليميٍّ رائد عبر محطة 'نور ورزازات” التي تُعدّ من أكبر المشاريع الشمسية المركزة في العالم، وتوفّر نصف احتياجات البلاد من الكهرباء المتجددة. الأردن بدوره لم يكن بعيدًا عن الركب؛ إذ باتت الطاقة المتجددة تشكّل أكثر من 30٪ من مزيج الطاقة الوطني، بفضل مشاريع 'المفرق” و”القرية الشمسية” و”معان 2”.
هذه الطفرة ليست مجرد أرقام في تقارير الطاقة، بل انعكاس لتحوّلٍ هيكليٍّ في التفكير العربي. فالاستثمار في الطاقة الشمسية لم يعد مشروعًا بيئيًا فقط، بل أصبح خيارًا اقتصاديًا واستراتيجيًا. فكل ميغاواط شمسي جديد يُخفّض فاتورة الاستيراد، ويخلق فرص عملٍ محلية، ويُقلّل الانبعاثات الكربونية. ووفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA, 2025)، فإن كل مليار دولار يُستثمر في الطاقة الشمسية يوفّر ما بين 30 إلى 50 ألف فرصة عملٍ مباشرةٍ وغير مباشرة في سلاسل الإنتاج، والنقل، والصيانة، والتقنيات المساندة.
ورغم هذه الإنجازات، لا تزال الطريق طويلة نحو 'التحوّل الكامل”. فالطاقة الشمسية تواجه تحدياتٍ في التخزين الليلي، وفي تقلبات الإشعاع الشمسي خلال فصول السنة، وفي الحاجة إلى شبكاتٍ كهربائية ذكية قادرة على استيعاب الإنتاج المتغير. كما أن التمويل والبيروقراطية ما زالا يعرقلان بعض المشاريع في الدول الأقل دخلًا. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام واضح: الكلفة تهبط، والكفاءة ترتفع، والدعم الدولي يزداد. فقد انخفضت تكلفة الألواح الشمسية بأكثر من 90٪ خلال العقدين الأخيرين، وأصبحت المنافس الأول للكهرباء المنتَجة من الوقود الأحفوري في أغلب الدول العربية.
وفي خضم هذا التحوّل، يبرز سؤال المستقبل، هل ستُصبح الطاقة الشمسية 'نفط القرن الحادي والعشرين”؟ الجواب بدأ يتضح بالفعل. فدول الخليج التي لطالما اعتمدت على النفط لتوليد الكهرباء، تتجه اليوم لتصدير الطاقة الخضراء، لا النفط الخام. والسعودية والإمارات تخططان لتكونا من كبار مصدّري الهيدروجين الأخضر بحلول 2030، مستفيدتَين من وفرة الإشعاع الشمسي وانخفاض التكلفة التشغيلية. هذا التوجّه لا يُعيد رسم خريطة الطاقة في المنطقة فحسب، بل يُعيد تعريف مفهوم 'الثروة” نفسه التي لم تعد تُقاس بما تحت الأرض، بل بما يسطع فوقها.
فالشمس التي كانت تُرهق مدننا بالحرارة، أصبحت اليوم حليفًا استراتيجيًا لإنقاذ الكوكب. في الصحراء، حيث لا زرع ولا نهر، يُولد ذهب جديد لا يُستخرج بالحفر، بل بالإشراق. فحين تتلاقى إرادة الإنسان مع ضوء الشمس، تشرق نهضةٌ عربية قادرة على تحويل الصحراء إلى مصدر حياة ونورٍ للعالم.












































